قيل : لما كان الضلال سببا للاذكار والأذكار مسببا عنه وهم ينزلون كل واحد من السبب والمسبب بمنزلة الاخر لالتباسهما واتصالهما كانت إرادة الضلال المسبب عنه الأذكار عنه إرادة للاذكار ، فكأنه قيل إرادة أن تذكر إحداهما الأخرى ان ضلت. ونظيره قولهم : أعددت الخشبة ان يميل الحائط فأدعمه ، وأعددت السلاح ان يجئ عدو فأدفعه.
وقوله تعالى ( ممن ترضون من الشهداء ) فيه ذكر يعود إلى الموصوفين اللذين هما ( فرجل وامرأتان ) ، ولا يجوز أن يكون فيه ذكر لشهيدين المقدم ذكرهما ، لاختلاف اعراب الموصوفين. ألا ترى أن ( شهيدين ) منصوبان و ( رجل وامرأتان ) اعرابهما الرفع. وإذا كان كذلك علمنا أن الوصف الذي هو ظرف انما هو وصف لقوله ( فرجل وامرأتان ) دون من تقدم ذكرهما من الشهيدين.
وقوله ( أن تضل ) لا يتعلق بقوله ( واستشهدوا ) ولكن يتعلق أن بفعل مضمر يدل هو عليه ، أي واستشهدوا رجلا وامرأتين أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى.
وقيل تقديره فرجل وامرأتان ، ويكون يشهدون خبر المبتداء ، والمفعول الثاني من ذكر محذوف ، تقديره فتذكر إحداهما الأخرى شهادتهما.
وقراءة حمزة على الشرط ان تضل إحداهما فتذكر إحداهما بالرفع والتشديد كقوله ( ومن عاد فينتقم الله منه ) ، والشرط والجزاء وصف المرأتين ، لان الشرط والجزاء جملة يوصف بها كما يوصل بها في قوله ( الذين ان مكناهم في الأرض ) (١) الآية.
وقال أبو عبيدة معنى ( ان تضل ) ان تنسى ، نظيره ( فعلتها إذا وانا من الضالين ) (٢) أي نسيت وجه الامر.
__________________
(١) سورة الحج : ٤١.
(٢) سورة الشعراء : ٢٠.