لا ريب في أن التسليم تحيّة ودعاء لمخاطب ، وقد ثبت الأمر به من الشارع على سبيل الوجوب ، وأنه تعبّد كلّ مكلّف بالصلاة به على وجه الجزئيّة من الصلاة ، فلا بدّ أن يُقْصَدَ به مُحيّا مدعوّ له مُسلّمٌ عليه وإلّا لخرج عن مقاصد الحكمة وأُلحِقَ بكلام مَنْ لا قصد له ، وحاشا الحكيم أن يتعبّد العبيد بمثله.
وأيضاً ، فهو كلام خطابي إنشائي موضوع لمعنًى فلا بدّ له من قصد مخاطب معنيّ به ، وإلّا لخرج عن محاورات العقلاء ومقاصد الإنشاءات أو موضوعاتها.
والدليل على وجوب قصد محمّد : وآله الأطياب أنه هم الذين وجب تقديم ذكرهم قبل التسليم بالصلاة عليهم التي هي تجديد العهد المأخوذ لهم في الذرّ والأظلّة فهم بها حضور ، فيخاطبون خطاب الحاضر فهم المدلجون بين يدي كلّ مدلج ، والباب الذي يصعد منه إلى الله كلّ عمل صالح ، وهم الذين يعرضون أعمال الخلائق على الله ، وهم الوجه الذي تقصد به القربات وتتوجّه إليه الصالحات ، وهم الميزان الذي توزن به الأعمال ، فالصلاة الواجبة في الصلاة عليهم والتسليم الواجب فيها لهم وعليهم ؛ لأنهم قبلة كلّ عمل صالح ، بل هم المخاطبون والمخاطبون بالصالحات.
ويؤيّده بل يدلّ عليه ما جاء في تفسير قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١) مِنْ أن المراد الصلاة عليه والتسليم عليه وله ، فهو أمر ، والأمر للوجوب ، ولا صلاة ولا سلام عليه واجب إلّا في الصلاة ، فتدبّر ، وتفهّم تفهم.
ويستحبّ للمصلّي إدخال المَلَكَيْنِ الكاتبين في قصد التسليم استحباباً مؤكّداً ؛ لدلالة بعض الأخبار عليه ، وأن يقصد أيضاً سائر الأنبياء والملائكة ، فإنهم عباد الله الصالحون ، ولكن بالتبعيّة لمحمّد : وآله صلىاللهعليهوآله ، فهم المعنيّون أوّلاً وبالذات بـ : « السلام علينا » وعلى عباد الله الصالحين.
ويتأكّد الاستحباب إن قدّم ذكرهم قبل التسليم بالصلاة والتسليم عليهم ، ولا
__________________
(١) الأحزاب : ٥٦.