وبالجملة ، فحالهم في القدرة على التلفّظ بالعبادات اللفظيّة وعدمه كحالهم في دَرْك معرفة المعاني وقصدها من غير فرق ، وصاحب الأمر إنما يكلّف الناس بقدر وسع المكلّف ، وإنما يخاطبه بقدر عقله ، لا ينقص ولا يزيد ، ( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) (١) ، فمن أهمل درك معاني تكاليفه بقدر ماله من العقل لم يعمل بما كلّف به ؛ لأن العمل بقدر العلم ، والعلم أساس العمل ومادّته ، فمن أهمل طلب علم ما كلّف به من العمل لم يعمل ؛ لأن تكليفه إنما هو بقدر وسعه من العلم ، فمن لم يعلم مع قدرته لم يعمل مع قدرته ، ومن لم يعمل مع قدرته فقد عصى ، ومن لم يقدر (٢) فـ ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا ما آتاها ) (٣) ، فلا إفراط ولا تفريط.
قال في ( البيان ) : ( ثمّ الإمام يقصد السلام على الأنبياء والأئمّة عليهمالسلام والحفظة والمأمومين ، وكذا المنفرد إلّا في قصد المأمومين ، والمؤتمّ يقصد بأحدهما الردّ على الإمام وبالأُخرى مقصد الإمام.
وقال ابن بابويه : يردّ المأموم على الإمام بواحدة ، ثمّ يسلّم عن جانبيه بتسليمتين (٤).
وقال ابن أبي عقيل : ويردّ المأموم التسليم على مَنْ سلّم عليه من الجانبين والكلّ جائز ، ولو قصد المصلّي مسلمي الجنّ والإنس وجميع الملائكة جاز ، ولو ذهل هذا القصد فلا بأس ) (٥) ، انتهى.
وهو كما قال فيما لو ذهل كسائر أجزائها ، ويكفي قصد المطلق إلى الإتيان بجميع الأجزاء في أوّلها. وكلّ كلامه حسن إلّا إن إطلاقه أن المأموم يسلّم مرّتين ويقصد بأحدهما ما قصده الإمام يجب تقييده بما إذا كان بجانبه مؤتمّ آخر ، مع أنه بظاهره ينافر ما عَزَاه في ( الذكرى ) (٦) لظاهر الأصحاب في تسليمتيه ، فراجعه.
__________________
(١) الكهف : ٤٩.
(٢) في المصدر : ( يعلم ) بدل : ( يقدر ).
(٣) الطلاق : ٧.
(٤) الفقيه ١ : ٢١٠ / ذيل الحديث ٩٤٤ ، المقنع : ٩٦.
(٥) البيان : ١٧٧ ـ ١٧٨.
(٦) الذكرى : ٢٠٩ ( حجريّ ).