وكلامه هذا ملخّص كلام ( المدارك ) (١) ، بل في ( المدارك ) احتمل كون أدنى الحِلّ محرماً اختياريّاً للمتمتّع بها ، إذا كان الناسك مجاوراً مكّة ولما ينتقل فرضه إلى القرآن والإفراد ، وله ظواهر جملة من النصوص. وجعل المصير إلى ما عليه الأصحاب من المنع منه أحوط.
فهذه عبارات الأصحاب تنادي بلسان إطلاقها أن أدنى الحِلّ محرم اختياريّ لمطلق المعتمرين عمرة مفردة من غير فرق بين الخارج لها من الحرم وغيره ، بلا نقل خلافٍ ولا توقّف ولا استشكال. ولم نظفر بعبارة مصرّحة بأن أدنى الحِلّ محرم اختياريّ لمن أراد الاعتمار بمفردة إذا خرج لها من الحرم دون من أرادها من خارجه.
وهذا لا ينافيه الحكم بأن من أراد دخول الحرم بعمرة مفردة ومرّ على ميقات لزمه الإحرام منه ، فإن ذلك متحقّق في كلّ من أراد النُّسك بحجّ أو عمرة ، فلو كان هذا ينافي كون أدنى الحِلّ محرماً اختياريّاً لها ، للزم من أن كلّ من مرّ على محرم من الخمسة وهو يريد النُّسك أنه محرمه الاختياري دون ما سواه منها ؛ لعدم جواز تجاوزه بغير إحرام ، ووجوب الرجوع إليه أو تجاوزه محلّاً دون ما سواه في قول.
وممّا يزيدك بياناً ما أطبقت عليه الفرقة بل الأُمّة فتوًى وعملاً في جميع الأعصار بلا نكير ، واستفاضت به نصوص أهل العموم والخصوص من غير تدافع ولا تنافر ، ونقل الإجماع به مستفيض. فإذن هو ملحق بالضروريات من أن من خرج من الحرم ليعتمر عُمرة مفردة ، جاز له أن يحرم بها من أدنى الحِلّ اختياراً. ولم نجد من صرّح بأن هذا من خصائصه دون النائي ، ولم نجد به خبراً. فإن هذا من أوضح الأدلّة على أن أدنى الحِلّ محرم اختياريّ للعمرة المفردة مطلقاً.
فإن ادّعى أحد تخصيصه به طالبناه بالدليل على الفرق والتخصيص. ولو كان مختصّاً بمن خرج لها من الحرم لوقع بيانه في عموم ، أو خصوص ، أو إجمال ، أو
__________________
(١) مدارك الأحكام ٧ : ٢٠٧.