وظاهره أنه يَحرمُ عند محاذاة أقرب ميقات إلى طريقه ، وأيضاً ما زاد عن ذلك فهو مسافة لا يجوز له قطعها لو أتى المحرم إلّا محرماً على المشهور ، وما حاذاه حال تعذّر المرور عليه قائم مقامه ، فهو محرم بمنزلته وإن خصّ بتلك الحال. وليس للأصحاب دليل على صحّة الإحرام بالمحاذاة إذا لم يمرّ بنفس الوقت إلّا هذا الخبر ، فالقول بأنه حينئذٍ يحرم عند محاذاة أقرب المواقيت إلى مكّة ضعيف (١) ؛ لعدم الدليل عليه من نصّ أو إجماع.
وما ربّما يقال من أن الأصل براءة الذمّة من التكليف بأكثر من تلك المسافة ، فمعارض بأن الدليل المرخّص للإحرام إنما دلّ على ذلك. فإذن يقين البراءة لا يحصل بدونه ، وقياس غيره عليه غير مقبول إلّا بدليل ، ولا دليل على التأخّر إلى محاذاة غيره. وأيضاً ثبت أن رسول الله صلىاللهعليهوآله وقّت مواقيت للحجّ والعُمرة مخصوصة معلومة ؛ فانقلب الأصل بهذا إلى عدم صحّة الإحرام إلّا منها إلّا أن يدلّ عليه دليل ، ولا دليل على صحّة الإحرام بعد محاذاة المحرم وتأخيره إلى محاذاة ما هو أقرب منه.
قال السيّد في ( المدارك ) بعد أن أورد صحيحة ابن سنان المتقدّمة : ( ومقتضى العبارة يعني عبارة الشرائع أن المراد بالميقات الذي يجب الإحرام عند محاذاته أقرب المواقيت إلى مكّة ، واعتبر العلّامة في ( المنتهى ) (٢) الميقات الذي هو أقرب إلى طريقه ، وحكم بأنه إذا كان بين ميقاتين متساويين في القرب إليه تخيّر في الإحرام من أيّهما شاء ، اقتصاراً فيما خالف الأصل على موضع الوفاق ) (٣) ، انتهى.
فقد دلّت عبارة ( المنتهى ) على أن الأصل يقتضي تكليفه بالإحرام عند محاذاة أقربها إلى طريقه. ولعلّ وجهه ما قرّرناه.
ولكن بقي في العبارة شيء هو أن قوله : ( إن العلّامة في ( المنتهى ) حكم بأنه إذا
__________________
(١) قواعد الأحكام ١ : ٧٩ ( حجريّ ) ، مسالك الأفهام ٢ : ٢١٦.
(٢) منتهى المطلب ٢ : ٦٧١.
(٣) مدارك الأحكام ٧ : ٢٢٣.