وتلك المواقيت أبواب لحرم الله جعلها الله رحمة لعباده ، ليستعدّوا فيها لما يصلح من صفات الوافدين الداخلين في باب رحمة الله وحرمه ، فيستعدّوا فيها للوفادة إلى بيت الله ، مجرّدين عن كلّ شاغل عن الوفادة إلى الله. ولم يوقّت رسول الله صلىاللهعليهوآله للإحرام بالحجّ والعُمرة بقاعاً معلومة ، ومنع من الإحرام من سواها إلّا لمعان تختصّ بها هو اعلم بها وأهل بيته. كما أشار إليه الخبر المروي عن الصادق عليهالسلام في ( العلل ) وغيره في علّة إحرام النبيّ صلىاللهعليهوآله من الشجرة أنه عليهالسلام قال لأنه لمّا اسري به وصار بحذاء الشجرة ، وكانت الملائكة تأتي إلى البيت المعمور بحذاء المواضع التي هي مواقيت (١) الخبر.
فكانت المواقيت بحذاء الأبواب التي تدخل منها الملائكة إلى البيت المعمور ، فكذلك خصّت بكونها مواضع إحرام القاصد إلى مكّة دون غيرها من بقاع الأرض. ولو ساواها وشاركها من بقاع الأرض شيء ، لكان كلّما بعد وشقّ أفضل ، ولكان صلىاللهعليهوآله يبيّن ذلك لأُمّته. وإنما ظهر منه تخصيص تلك البقاع لتلك العبادة ، كما عيّن للموقفين محلّاً ، وللذبح محلّا ، ولرمي الجمار محلّاً ، وللطواف محلّاً ، ولصلاته محلّاً وللسعي محلّاً ، فجميع مناسك الحجّ لكلّ نسك محلّ مخصوص وهيئة مخصوصة ، والإحرام منها. ولا ينافيه التوسعة في بعض لمكان الضرورة.
هذا ، مع أن الخبر الأوّل (٢) يمكن تأويله ، بإرادة النذر من محرم أهل الكوفة وهو العقيق ، وذلك صحيح منعقد بالنصّ والإجماع. فكما صحّ تأويل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليهالسلام أن أهل السند محرمهم البصرة بأن المراد محرم أهل البصرة وهو
__________________
(١) علل الشرائع ٢ : ١٣٩ / ١ ، وفيه : « لأنه صلىاللهعليهوآله لمّا اسري به وصَار بحذاء الشجرة وكانت الملائكة تأتي إلى البيت المعمور بحذاء المواضع التي هي مواقيت سوى الشجرة فلما كان في الموضع الذي بحذاء الشجرة نودي : « يا محمّد. قال لبّيك. قال : ألم أجدك يتيماً فآويتُ ، ووجدتك ضالاً فهديتُ قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك ، لبّيك. فلذلك أحرم من الشجرة دون المواضع كلّها ».
(٢) تهذيب الأحكام ٨ : ٣١٤ / ١١٦٦.