فإنه يحرم من أدنى الحِلّ ، أو من مساواة أقرب المواقيت إلى مكّة.
ولم يشترطوا في جواز سلوكه طريقاً لا يفضي به إلى عين أحد المواقيت ، ألّا يتمكّن من الوصول إلى عين الميقات ؛ للأصل من عدم وجوب سلوك طريق مخصوصة ، ولصحيحة عبد الله بن سنان المتقدّمة (١) ، التي هي العمدة في جواز الإحرام بالمحاذاة ، فإنها دلّت على جواز سلوك المدنيّ طريقاً لا يفضي به إلى عين ميقات اختياراً. فجواز سلوكه طريقاً يفضي به إلى عين الميقات الثاني بدون أن يمرّ على الأوّل كالمدنيّ يسلك طريقاً يفضي به إلى العقيق ، أو الجحفة دون الشجرة اختياراً أوْلى. ولعلّ معنى صحيحة الحلبيّ : سألت أبا عبد الله عليهالسلام من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال من الجحفة ، ولا [ يجاوز (٢) ] الجحفة إلّا محرماً (٣).
وصحيحة معاوية بن عمّار : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة؟ فقال عليهالسلام لا بأس (٤).
ذلك بأن يكون المسئول عنه إنما سلك طريقاً إلى الجحفة لا يفضي به إلى الشجرة ، بل يمكن حمل خبر أبي بصير المتضمّن أن أبا عبد الله عليهالسلام أحرم من الجحفة (٥) على ذلك احتمالاً ظاهراً.
واعلم أنه لا يسوغ الإحرام بالمحاذاة إذا كان قاصداً طريقاً يفضي به إلى عين أحد المواقيت وإن لم يكن بطريق مستقيم ، كالذي يقصد الإحرام من عين يلملم والوصول إليه من جدّة بعد محاذاته له في البحر ، فإنه بقصده لا يكفيه الإحرام بالمحاذاة ، فإنه قاصد للميقات عينه وإن كان بعد محاذاته. وعموم الفتوى والنصّ بأنه لا يجوز لمن قصد أحدهما الإحرام قبلها ولا بعدها يدلّ على ذلك ، فتنبّه.
__________________
(١) رسائل المرتضى ( المجموعة الثالثة ) : ٦٥.
(٢) من المصدر ، وفي المخطوط : « يتجاوز ».
(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ٥٧ / ١٧٧ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣١٦ ـ ٣١٧ ، أبواب المواقيت ، ب ٦ ، ح ٣.
(٤) الفقيه ٢ : ١٩٩ / ٩٠٨ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣١٦ ، أبواب المواقيت ، ب ٦ ، ح ١.
(٥) تهذيب الأحكام ٥ : ٥٧ / ١٧٦ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣١٧ ، أبواب المواقيت ، ب ٦ ، ح ٤.