مناسك الحجّ ؛ إذ أقصى ما يمكن تصوّره في غير ذلك أن يراد به : طواف الحجّ ، وبالترك قبل المناسك أنه يتحقّق الترك المبطل عمداً بالعزم على عدم الإتيان به.
وهذا بعيد جدّاً ، بل فاسد ؛ إذ لا ريب في صحّته ولو كان منه ذلك العزم مع إتيانه به بعد المناسك. ومع هذا لا يتصوّر حينئذٍ فيه النسيان قبل المناسك.
والغرض من نقل هذه العبارات أن ظاهر عبارة المحقّق تعمّ عمرة التمتّع ، والشرّاح لم يدفعوها ، بل ظاهر ( المدارك ) (١) الإجماع على صحّة العُمرة المتمتّع بها لو نسي طوافها ولم يذكره إلّا بعد التلبّس بالحجّ ، وصحّة الحجّ حينئذٍ ، ويقضي طوافها بعد مناسكه.
وقال في ( النافع ) : ( الطواف ركن ، من تركه عامداً بطل حجّه ، ولو كان ناسياً أتى به ، ولو تعذّر العود استناب فيه ).
ثمّ قال بعد هذا : ( ولو نسي طواف الزيارة حتّى يرجع إلى أهله وواقع ، عاد وأتى به ، ومع التعذّر يستنيب فيه ) (٢) ، انتهى.
وظاهر العبارة الأُولى يعمّ طواف الحجّ والعُمرة ، وتعقيبه بالعبارة الثانية يشعر بتخصيص الاولى بطواف العُمرة. لكنّ الحكم بالبطلان مع الترك عمداً يشملهما قطعاً ، فالعبارة لا تخلو من تشابه وإجمال. وعلى كلّ حال ، فظاهرها صحّة العُمرة المتمتّع
بها لو ترك طوافها نسياناً ولو لم يذكره إلّا بعد الحجّ وصحّة الحجّ أيضاً.
وابن فهد في ( المهذّب ) (٣) بعد إيراد العبارة الأُولى تكلّم على الفرق بين الركن وغيره من واجبات الحجّ ، وأطلق القول بأن ترك الركن عمداً مبطل ، وسهواً غير مبطل ، وعليه الإتيان به بنفسه أو نائبه. وظاهره صحّة العُمرة في مسألتنا وصحّة الحجّ ، وعليه قضاء الطواف المنسيّ.
ومثله المقداد في ( التنقيح ) (٤) ، حيث إنه اقتصر في شرح العبارة الأُولى على بيان
__________________
(١) مدارك الأحكام ٨ : ١٧٥.
(٢) المختصر النافع : ١٦٥ ـ ١٦٦.
(٣) المهذّب البارع ٢ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧.
(٤) التنقيح الرائع ١ : ٥٠٦.