تكليف إلّا بعلم ما ظهر ؛ إذ لا تكليف إلّا بعد البيان ، فلو كان هذا التحريم المجمع عليه من غير الحقّ ، لظهر ردّه من حافظ الشريعة الذي ينفى عنها تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، عجّل الله فرجه.
ثمّ قال حرسه الله ـ : ( وما وجه فتوى الأصحاب بالتحريم هنا والآية (١) نصّ في تقييد الحكم بالولد الصلبي ).
أقول : نعم في ذلك وجهان :
الأوّل : ما سلّمه هو سلّمه الله من أنه فتوى الأصحاب ، فإذا تبيّن أنه فتوى الأصحاب وحجّة الله قد أقرّهم عليه ، ولم يظهر منه بعبارة أو إشارة أو عموم أو خصوص ردّه ، وهو إمام الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر ، وهم القرى التي هي منازل السائرين إليه ، الذين نصّ عليهم بأنهم الحكّام على الرعايا ووصفهم بأنهم الحجّة على من دونهم وهو الحجّة عليهم ، عُلِمَ أنه حقّ ، فلا تطلب أثراً بعد عين. هذا ، وقد علمت أنه لا يعرف فيه خلاف بين الأُمّة فضلاً عن الأصحاب.
الثاني : أن الآية الكريمة نصّ في ولد الصلب ، وعلى تحريم حليلته على أبيه إجماع الأُمّة أيضاً كما لا يخفى ، وجاءت السنّة أن الرضاع لحمة كلحمة النسب ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (٢) ، وقد تلقّت الأُمّة هذين الخبرين بالقبول واستدلّوا بهما في سائر الأزمان والأصقاع على كثير من مسائل الرضاع ، كما لا يخفى.
فللولد الرضاعي لحمة كلحمة الولد الصلبي ، ومقتضى لحمة الولد الصلبي تحريم زوجته على أبيه بنصّ الآية الكريمة والإجماع ، فيثبت مثله للحمة الولد الرضاعي ؛ للخبرين المتّفق على قبولهما والعمل بمضمونهما ، فتحرم زوجة الولد الرضاعي كما تحرم زوجة الولد الصلبي بمقتضى ضمّ ما يقولونه.
__________________
(١) النساء : ٢٣.
(٢) وسائل الشيعة ٢٠ : ٣٧١ ـ ٣٧٣ ، أبواب ما يحرم من الرضاع ، ب ١.