ويمكن جعل هذين الجوابين جواباً واحداً بأن يقال : إن الاستدلال به مبنيّ ؛ إمّا على إرادة العموم ، أو على أنه لا يمكن أن يكون بين الموضوع والمحمول عموم من وجه ، فإنه بانتفاء الأوّل يبطل الوجه الأوّل ، وبالثاني الثاني.
أقول : يريد بالجوابين المشار لهما الخامس والسادس ، وحينئذٍ فالجواب عنه إثبات الدعويين ، وقد ثبتتا بما مرّ.
ثمّ نقول : قوله : ( لا معنى للحمل إلّا الاتّحاد في الصدق والوجود ) فيه غموضٌ ، فإنه بظاهره مخالف لما أجمع عليه أهل العربية والمعاني والبيان واللسان والميزان من صحّة حمل الأعمّ على الأخصّ.
فنقول : لا منافاة بينهما ، بل كلاهما حقّ ، فإن أهل اللسان والبيان والميزان إنما يعنون عموم المحمول بحسب مفهوم اللفظ بحسب وضعه ، وهذا الفاضل عنى المحمول الخاصّ على الموضوع الخاصّ ، جزئيّاً كان كلّ منهما أو كلّيّاً.
إذ من البيّن فيما إذا قلت : زيد قائم ، أو حيوان ، أنك لم تحمل على زيد إلّا قيامه وحيوانيّته ، لظهور استحالة حمل قائميّة عمرو أو حيوانيّته على زيد ، بل إنما تحمل على الشيء قسطه الذي يخصّه ممّا يصدق عليه مفهوم المحمول.
وقد أشار إلى هذا المعنى ابن سينا : في ( الإشارات ) (١) ، وشرّاح كلامه (٢) ، لكن كلامهم فيما إذا دخلت أداة الحصر على الجملة الحمليّة ، فإنهم حكموا بأنها تفيد حينئذٍ مساواة المحمول للموضوع ، ولم يتعرّضوا لذكر غيرها.
وكذلك أشار إلى ما أشار له فاضل ( المناهج ) : [ وم ] السيّد الداماد : في حواشي ( الأُفق المبين ) ، ونسب مثله للجرجاني : ، ولسنا بصدد البحث عن هذه المسألة وبيانها ، بل بيان عبارة هذا الفاضل.
فإنك إذا تأمّلت بالنظر إلى رتب الوجود وجدت المحمول والموضوع بحسب كلّ رتبة متساويين في الصدق والوجود ، فإذا قلت : زيد حيوان ، لم يحمل عليه إلّا
__________________
(١) شرح الإشارات ١ : ١٣٨. ( المتن ).
(٢) شرح الإشارات ١ : ١٣٨.