الآن. ولهم أيضاً خبر حمران : عن أبي جعفر عليهالسلام : إنّ لله مَلَكاً ينادي : أيّ عبد أحسن الله إليه ، وأوسع عليه في رزقه ، فلم يفد إليه في كلِّ خمسة أعوام مرَّة ليطلب نوافله؟! إنّ ذلك لمحروم (١) ، وأمثاله وهي كثيرة.
ومنعوا من منافاة هذا القصد للإخلاص والقربة ، كما مرّ.
ويدلّ على ما ذهب إليه رضيّ الدين بن طاوس (٢) : ونقله البهائيّ (٣) : عن كثيرٍ الإجماعُ المدّعى من العلّامة (٤) : المذكور سابقاً ، ومن قواعد الشهيد (٥) : على عبارة أكثر نسخها ، وأنه منافٍ للإخلاص لوجه الله ، فإنه حينئذٍ مشوبٌ بطلب النفس ونيل شهوتها ، ودفع المضارّ والمكروهات عنها في الدنيا والآخرة ، أو أحدهما بقدر طبقات المتعبّدين.
ولا ريب أن هذا منافٍ لمعنى الإخلاص لله ، بل للفظه ، فإن الخالص غير المشوب ، والمشوب غير خالص. وقد دلّ العقل والنقل كتاباً (٦) وسنّة (٧) والإجماع المقطوع به على وجوب الإخلاص في نيّة العبادات ، وأنها بدون الإخلاص باطلة غير مجزية ولا دافعة للذمّ والعقاب ، وأنه لا يستحقّ فاعلها مدحٌ ولا ثواب. بل لا يعدّ مطيعاً أصلاً ولا يوصف بأنه أطاع الله وعبده وحده ، ومن لم يعبده وحده لم يعبده أصلاً ؛ لأنه أشرك بعبادة ربّه أحداً. ومن كان كذلك تركه الله وشركه ، فللشرك دبيب في النفوس والنيّات أخفى من دبيب النمل على الصفا. فالله سبحانه لا يعبد إلّا بما خلص لوجهه الكريم من كلّ شائبة.
ويمكن أن يستدلّ لهذا أيضا بما رواه الكلينيّ : مرسلاً عن أمير المؤمنين عليهالسلام : أنه قال في خطبة له ولو أراد الله جلّ ثناؤه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان ،
__________________
(١) الكافي ٤ : ٢٧٨ / ٢.
(٢) المتقدّم في ص : ٤١٧.
(٣) الأربعون حديثاً : ٤٤١.
(٤) أجوبة المسائل المهنائية : ٩٠ / المسألة : ١٤٠.
(٥) القواعد والفوائد ١ : ٧٧ / القاعدة الأُولى ، الفائدة الثانية.
(٦) الأعراف : ٢٩ ، غافر : ١٤ ، الشعراء : ٨٩ ، البيّنة : ٥.
(٧) انظر وسائل الشيعة ١ : ٥٩ ، أبواب مقدّمة العبادات ، ب ٨.