الاولى : الرياء. ولا ريب أنه مخلّ بالإخلاص ، ويتحقّق الرياء بقصد مدح الرائي ، أو الانتفاع به ، أو دفع ضرره.
فإن قلت : فما تقول في العبادات المشوبة بالتقيّة؟
قلت : أصل العبادة واقع على وجه الإخلاص ، وما فعل منها تقيّة فإن له اعتبارين : بالنظر إلى أصله وهو قربة ، وبالنظر إلى ما طرأ من استدفاع الضرر وهو لازم (١) لذلك ، فلا يقدح في اعتباره. أمّا لو فرض إحداثه صلاة مثلاً تقيّة فإنه من باب الرياء ) (٢).
أقول : لا ريب أن معنى الإخلاص في العبادة أن تفعل العبادة برسم العبوديّة التوحيديّة لله عزّ اسمه ، كما دلّ عليه العقل والنقل كتاباً وسنّة والإجماع الذي لا ريب فيه ، ولا تصحّ العبادة لله بدونه ، بل لا تتحقّق في الوجود عقلاً ونقلاً وإجماعاً. فإذن لو شاب النيّة شيء ينافي إظهار رسم العبوديّة لله بالعبادة له لم تكن عبادة له ، لا فرق في ذلك بين إشابة تحصيل غرض نفس العابد من جلب نفع ، أو دفع ضرّ أو تحصيل غرض غير حبّه ورضاه أو دفع سخطه ونقمته ، فقد تبيّن منافاة الرياء للإخلاص والتقرّب إلى الله. وقد قام الإجماع على فساد العبادة بدخول الرياء في نيّتها ، بلا فرق بين قصد رضا الرائي وجلب مدحه ونفعه ، أو دفع سخطه وبغضه وضرره.
وأمّا فعل عبادة ألزمهُ بفعلها التقيّة ، أو كيفيّة فيها أوجبتها التقيّة كالتكفير والتأمين وغسل الرجلين ونحوها ، فيجب على العامل أن يعلم أن الله تعالى كلّفه في هذا الحال بهذه العبادة أو هذه الكيفيّة ، فيقصد امتثال أمر الله خالصاً لوجهه والتقرّب إليه كما وصفناه. فإن لم يفعل كما ذكرناه ، بل صلّى صلاة ، أو عمل في صلاته وطهارته كيفيّة غير الثابتة بأصل الشرع لمحض ابتغاء مرضاة المخالفين ، أو لمحض دفع ضررهم عنه ، فالظاهر أن عبادته داخلة في الرياء ، كما هو ظاهر من العبارة وجملة
__________________
(١) ليست في « م ».
(٢) القواعد والفوائد ١ : ٧٦ / القاعدة الأُولى ، الفائدة الثانية.