المهملة الساكنة واللام المكسورة ـ : هل رأيت ربّك يا أمير المؤمنين :؟ فقال أفأعبد ما لا أرى؟.
فقال : وكيف تراه؟ فقال عليهالسلام لا تراه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان ، قريب من الأشياء غير [ ملابس (١) ] ، بعيد منها غير مباين. متكلِّم [ لا برؤية (٢) ] ، مريد لا بهمَّة ، صانع لا بجارحة ، لطيف لا يوصف بالخفاء ، كبير لا يوصف بالجفاء ، بصير لا يوصف بالحاسَّة ، رحيم لا يوصف بالرقَّة. تعنو الوجوه لعظمته ، وتجلّ القلوب من مخافته (٣).
وقد اشتمل هذا الكلام الشريف على أُصول صفات الجلال والإكرام التي عليها مدار علم الكلام ، وأفاد أن العبادة تابعة للرؤية ، وتفسير معنى الرؤية ، وأفاد الإشارة إلى أن قصد التعظيم بالعبادة تابع للرؤية ، وأفاد الإشارة إلى أن قصد التعظيم بالعبادة حسن وإن لم يكن تمام الغاية ، وكذا الخوف منه تعالى ) (٤).
أقول : أمّا فعلها بقصد الثواب والعقاب ، فقد عرفت الكلام فيه فتوًى ودليلاً. وأمّا باقي الغايات الثماني ، من قصد الشكر ، أو الحياء ، أو للحبّ ، أو للتعظيم والمهابة والانقياد والإجابة لله عزّ اسمه ، أو الموافقة لإرادته وللطاعة لأمره ، أو لكونه عزّ اسمه وجلّ أهلاً للطاعة والعبادة. فكلّها لا ينافي شيء منها الإخلاص وقصد القربة والامتثال كما يعلم ممّا قرّرناه فإنها كلّها لوازم التسليم والإذعان لقبول مراسم العبوديّة ، والتحقّق بالعبادة التوحيديّة التي هي قصر نفس العبد العابد المرتدي بنعمة مولاه ، وشكره على ما أولاه على باب عبوديّته لمولاه ، ويأسه ممّا سواه وقصر محبّته ورضاه على ما يحبّه مولاه ويرضاه ، موثقاً بوعده وحده ، غير آيس من روحه وإمداده ورفده وإن تفاوتت مراتب العباد في ذلك كلّه. وربّما غلب بعض المقامات على بعض في أكثر العباد ، فما أقلّ الوزن بالقسطاس المستقيم! وما أصعبه
__________________
(١) من المصدر ، وفي النسختين : ( ملامس ).
(٢) من المصدر ، وفي النسختين : ( بلا روية ).
(٣) نهج البلاغة : ٣٤٤ / الخطبة : ١٧٩.
(٤) القواعد والفوائد ١ : ٧٧ ـ ٧٨ / القاعدة الأُولى ، الفائدة الثانية.