إلّا على خلّص المؤمنين!.
وأمّا أعلى المراتب في الإخلاص وهي مرتبة وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك (١) ـ فهي مرتبة الرؤية بحقائق الإيمان ، وأعلاها ألّا يرى العبد لنفسه اعتباراً بالكلّيّة ، بل يرى نفسه قابلاً محضاً ، بل فيضاً محضاً كأوّل حركة بروزه ، ومحض وجوده الذي هو جهة وجود فاعله ومفيضه الذي لا يشركه فيها شيء من الخلق بوجه ، وهي مرتبة حقيقته التي من عرَفها عرَف ربّه بأقصى مراتب إمكان معرفته التي هي صفة وجودِه ، بل وجودُه.
فمن عبد ربّه بهذه المرتبة فقد عبده بكمال العبوديّة له ، وسواها رتب تنزّلاتها وتطوّراته في قوس عوده.
ثمّ قال رحمهالله : ( لمّا كان الركن الأعظم في النيّة هو الإخلاص ، وكان انضمام تلك الأربعة غير قادح فيه ، فخليق أن نذكر ضمائم أُخر ، وهي أقسام :
الأوَّل : ما تكون منافية له ، وتوصف بسببه العبادة بالبطلان ، يعني : عدم استحقاق الثواب. وهل يقع مجزياً ، بمعنى سقوط التعبّد به والخلاص من العقاب؟ الأصحّ أنه لا يقع مجزياً. ولم اعلم فيه خلافاً إلّا من السيّد الإمام المرتضى (٢) : قدّس الله لطيفه فإن ظاهره الحكم بالإجزاء في العبادة المنويّ بها الرياء.
الثاني : ما يكون من الضمائم لازم الفعل كضمّ التبرّد أو التسخّن أو التنظّف (٣) إلى نيّة القربة. وفيه وجهان ينظران إلى عدم تحقّق معنى الإخلاص ، فلا يكون الفعل مجزياً ، وإلى أنه حاصل لا محالة ، فنيّته لتحصيل الحاصل الذي لا فائدة فيه. وهذا الوجه ظاهر أكثر الأصحاب (٤) ، والأوّل أشبه. ولا يلزم من حصولِه نيّةً حصولُه.
ويحتمل أن يقال : إن كان الباعث الأصليّ هو القربة ، ثمّ طرأ التبرّد عند الابتداء
__________________
(١) عوالي اللآلي ١ : ٤٠٤ / ٦٣.
(٢) الانتصار : ١٠٠ / المسألة : ٩.
(٣) في « م » : ( التنظيف ).
(٤) المبسوط ١ : ١٩ ، المعتبر ١ : ١٤٠ ، منتهى المطلب ١ : ٥٦.