اللاحق للعبادة ثمّ دخله العجب بها أو تحدّث بها ثلاثاً فإنه ورد (١) أنها حينئذٍ تكتب في الرياء. ولا شكّ أنهما ضربان من الرياء الخفيّ ، وأنهما مسقطان للأجر ، إلّا إن الظاهر أنه لا يجب بهما القضاء ولا الإعادة. فظاهر عبارته لا تخلو من شوب اضطراب.
ثمّ قال رحمهالله تعالى ـ : ( فروع : الأوّل : قد عرفت أن النيّة التي هي الداعية إلى الفعل المحرّكة للإنسان الباعثة عليه ربّما تكون هي المخطرة بالبال ، وربّما لا تكون هي هي تنطبق عليها ، وربّما تتخلّف عنها وتغايرها ، فربّما كان الباعث غير الامتثال لأمر الله. ويخطر بالبال أنه الباعث مع علمه بأنه ليس كذلك ، أو مع غفلته عنه ، أو مع جهله به باعتقاده أن الذي أخطر بباله هو الباعث. وعبادة الكلّ فاسدة لما عرفت ، إلّا إن الأوّل أسوأ حالاً من الأخيرين ، والأخيران يحتاجان إلى جهاد نفس واجتهاد لتصحيح إعمالهما ، والأخير من الأخيرين لا يُتوهّم (٢) أنه معذور لجهله ؛ إذ ربّما كان أشدّ سيّئة ، كما قال تعالى : ( هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) (٣).
وقال الله تعالى : ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ) (٤).
إلى غير ذلك ممّا ظهر من القرآن العزيز ، والأخبار الكثيرة (٥).
ويوافقهما الاعتبار ؛ لأن الأوّلين ربّما يعترفان بأن عملهما قبيح ، فينويان ويقضيان إن كان له قضاء ، وربّما ينكسر خاطرهما ، ويحزن خاطرهما ، وهذا محمود عند الله ، ويحبّه الله بخلاف الأخير ؛ إذ هو خلافهما ، بل ربّما تعجبه أعماله القبيحة ويصرّ عليها ويستكثر ، وعن الرجوع يستكبر. ولذا نبّههم الشارع بأمثال ما ذكر
__________________
(١) انظر : الكافي ٢ : ٢٩٦ / ١٦ ، وسائل الشيعة ١ : ٧٥ ، أبواب مقدّمة العبادات ، ب ١٤ ، ح ٢.
(٢) من « ن » ، وفي « م » : ( نتوهّم ).
(٣) الكهف : ١٣ ـ ١٤.
(٤) فاطر : ٨.
(٥) انظر وسائل الشيعة ١ : ٩٨ ، أبواب مقدّمة العبادات ، ب ٢٣.