وغيرها ، مثل ما مرّ أن الرياء أخفى من دبيب النملة .. إلى آخره ، وأكثرَ وبالغَ لشدّة خطره ونهاية عظم ضرره.
فلا بدّ للمكلّف من ملاحظة ما ذكر ، وأن يشرع في مرضه المهلك بمعرفة آثاره وعلاماته ثمّ (١) المعالجة والمجاهدة ، ولا يغفل عن مكائد نفسه الأمّارة ).
أقول : هذا الكلام في غاية الحسن ، فإنه من الحكمة التي هي ضالّة المؤمن ، فاغتنم الفرصة واقتنصها. لكنّه لا يخلو بعد التأمّل من منافاةٍ لبعض ما أسلفناه من كلامه ، ولكنّه ينبّهك على ما فصّلنا فتيقّظ.
وما قاله رحمهالله معلوم بالوجدان من كثير من الناس ؛ فإن كثيراً منهم يكون الباعث له على العبادة طلب الطبيعة للعادة ، أو رضا بعض البشر لينال بسببه حظّا من حظوظ الدنيا أو مجاراة الأقران ومشابهتهم ، أو حذر العار ، أو حذر الحدّ الدنيويّ ، أو فوت حظّ من حظوظ الدنيا ، أو مجرّد تحصيل ثواب الله في الآخرة ، أو الدنيا من جلب نفع أو دفع ضرّ ، أو مجرّد الخوف من عقاب الآخرة أو الدنيا ودفع بلائها ، أو غير ذلك من الأغراض الباعثة على العمل. وهو في جميع هذه الأقسام يتصوّر حال نيّة الصلاة أو الصوم ، مثلاً أُصلّي فرض كذا ، أو : أصوم غداً لوجوبه أو ندبه قربة إلى الله. ويخطر هذه الأحرف بباله.
فمنهم مَنْ يعلم أن الباعث على العمل غير ما خطره حال إرادة العمل ، وهو مع هذا يظنّ أن النيّة وحقيقتها هو ما خطره حينئذٍ بباله جهلاً منه ، ومنهم من يعلم حينئذٍ أن النيّة غير ما خطره من الحروف بباله حينئذٍ ، ومنهم من لا يعلم حينئذٍ بأن النيّة والباعث غير ما خطره من الأحرف بباله جهلاً منه ، أو غفلة من أجل قصوره ، أو تقصيره إلى غير ذلك من الأقسام. والكلّ عبادته باطلة.
والجهل كما قال ليس بعذر في غير ما قام على معذوريّة الجاهل فيه الدليلُ وإلّا لبطلت فائدة البعثة ، أو لزم التكليف بالمحال ، بل بطل التكليف. ومن البشر من
__________________
(١) في « م » : ( بأتم ).