يظنّ أو يتوهّم أن الله إنما كلّف بعبادته التي لم يخلق الخلق إلّا لها (١) ليطلبوا بعبادتهم ثواب الآخرة أو الدنيا أو هما ، بحيث إنه لو لم يجازهم لما كان لعبادتهم معنًى ، بل تكون شبه العبث ، فهم لا تتحقّق منهم عبادة لغير محض ذلك ، فهم لا يعبدون المنعم محبّة لما أحبّه منهم ، ولا لامتثال أمره ، ولا طلباً لقربه ومحبّته ورضاه ، ولا لأنه أهل للطاعة ، ولا شكراً له بوجه أصلاً. وهؤلاء لا شكّ أنهم لا يعبدون الله ، بل هم بالمعاملين المتكسّبين أشبه منهم بالعابدين ، بل لا يكاد يتحقّق مبدأ اشتقاق العبادة في أعمالهم ولا شيء من معناه. وبالله المستعان.
ثمّ قال رحمهالله : ( الثاني : أنه ربّما يكون الأمر بعكس ما ذكر بأن يكون الداعي إلى الفعل قصد الله خالصاً ، إلّا إنه يخطر بباله أنه لغير الله غفلة ، وإذا راجع نفسه علم يقيناً أن المحرّك الباعث هو إرادة الله خالصة من دون شائبة شيء آخر ، لكن يخطر بخاطره خطرات على الغفلة من غير أن يكون لها مدخليّة في التأثير ، وعبادته صحيحة ، ولا يضرّه التسويلات الشيطانيّة التي تكون أو لا تكون بالقياس إلى ما صدر منه.
نعم ، إن صار لها مدخليّة في الصدور بأن صارت هي العلّة أو جزء العلّة تصير العبادة فاسدة وإن صارت المدخليّة في آخر العبادة وعند الفراغ منها ولمّا يفرغ ، وأمّا بعد الفراغ فلا يضرّ ، لعدم المدخليّة في العلّة الغائيّة للعبادة التي فرغ منها.
نعم ، لو أظهر للناس أني فعلت كذا وكذا ، وإن كان هذا رياءً على حِدة إلّا إنه ربّما يفسد عبادته. ولذا ورد عنهم عليهمالسلام أن البقاء على العمل أشدّ من العمل ، إن الرجل يصل بصِلَة (٢) ، وينفق نفقة لله وحده لا شريك له فتكتب له سرّاً ، ثمّ يذكرها فتمحى فتكتب له علانية ، ثمّ يذكرها فتمحى فتكتب له رياءً (٣). إلى غير ذلك ، بل ورد أن
__________________
(١) في النسختين بعدها : ( إلّا ).
(٢) من « م » ، وفي « ن » : ( بصلاة ).
(٣) إشارة إلى قول الباقر عليهالسلام : « الإبقاء على العمل أشدُّ من العمل ». قيل : وما الإبقاء على العمل؟ قال عليهالسلام : « يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له فتكتب له سرّاً ، ثمَّ يذكرها فتمحى فتكتب له علانية ، ثمَّ يذكرها فتمحى وتكتب له رياء ». الكافي ٢ : ٢٩٦ / ١٦.