وخبر [ مَسْعَدة (١) ] بن صدقة : المرويّ في ( الخصال ) عن جعفر بن محمّد : عن أبيه عليهماالسلام أنه قال التسليم من المسلّم تطوّع ومن الرادّ فريضة (٢).
فعموم هذه الأخبار وشبهها يتناول الرادّ الأوّل والآخر وما بينهما إن كان.
ومثلهُ إطلاق الفتوى من جميع الأُمّة في جميع الأعصار بأن ابتداء السلام نافلة والردّ فريضة ، بل كاد أن يكون هذا الكلام بهذه العبارة من ضروريّات الملّة ؛ فإنك لا ترى أحداً من المكلّفين إلّا وهو يخبرك أنه يعلم أن ابتِداء السلام نفل وردّه فريضة ، وعموم إطلاقه يشمل الردّ الأوّل والآخر ، وهذه الإطلاقات والعمومات من الكتاب والسنّة والإجماع بوجوب الردّ لا معارض لها ، وهي شاملة لمحلّ النزاع ، ولا فارق بين ردّ السلام وغيره ممّا يشبهه في ذلك.
فإنْ قلت : النصّ والإجماع قائمان على أنه إذا كمل الردّ من واحد مِن القوم أجزأ عن الباقين ، وسقط عنهم لا إلى بدل ، فلو ترك الباقون حينئذٍ لم يُؤثموا ، وهذا هو معنى الواجب الكفائيّ ، ولا معنًى للمندوب إلّا ما لا يؤثم تاركه لا إلى بدل ، فكيف يُتصَوّر أن الردّ من الثاني بعد كمال ردّ الأوّل واجب وهو لا يؤثم بتركه؟
قلت : لا منافاة بين سقوط الإثم عن الثاني إذا ردّ الأوّل ولم يردّ ، وبين وجوب نيّة الوجوب من الثاني لو ردّ بعد كمال ردّ الأوّل وذلك لعدم استلزام السقوط ؛ لانقلاب الواجب مندوباً. والحقائق لا تنقلب ، وما بالذات لا يزول ، والوجوب والندب حقيقتان متباينتان عقلاً وشرعاً ، وله نظائر في الفقه ، فلو وجب على الحاكم قتل شخص للردّة وقَوَداً وحدّاً ، فَقَتَلَه آخر للردّة أو غيرها ، سقط عن الحاكم وجوب القتل.
وكذا كلّ كفائيٍّ لا يقبل الزيادة على مرّة ، فإنه في جميع هذا وشبهه يسقط الوجوب بفعل الغير ، ولا يتّصف الفعل في نفسه حينئذٍ بالندب ، بل هو على حقيقته ،
__________________
(١) من المصدر ، وفي المخطوط : ( صدقة ).
(٢) الخصال ٢ : ٤٨٤ ، أبواب الاثني عشر / ٥٧ ، وفيه : « والردّ عليه فريضة ».