فلو قبل التكرار فكرّر كان على تلك الحقيقة الوجوبيّة فتُلاحظ في نيّته.
فإنْ قلت : هذا الرادّ بعد كمال ردّ غيره ، أو المصلّي بعد كمال صلاة غيره ، يجوز لهما ترك الردّ والصلاة لا إلى بدل ، وهذا لازم الندب.
قلت : بل ردّ مَنْ قَبْله ، وصلاة مَنْ قَبْله هو البدل ؛ وذلك لأن الواجب الكفائيّ معناه بالنسبة إلى المكلّفين كالواجب التخييريّ بالنسبة إلى الأعمال المكلّف بها ؛ فإن حكمة النظام في التخييريّ تعلّقت بإيجاد أحد فرديه ، أو أفراده لا على التعيين ، مع ملاحظة وصف الوجوب العنوانيّ في الفرد المقصود فعله. ولهذا شاع بين العلماء أن أفضل فردي المخيّر واجب تخييراً مستحبّ عيناً ، كالجمعة والظهر على المشهور المنصور من القول بالتخيير بينهما مع أفضليّة الجمعة ، وكالردّ بالأحسن والمِثل في تحيّة السلام مع أفضليّة الأحسن (١). ولا يظهر خلاف في تعيّن قصد الوجوب بكلّ أجزاء الأحسن ، ولا نعلم قائلاً بأنك إذا سلّم عليك شخصٌ بلفظ السلام عليكم ورددتَ عليه بلفظ وعليكم السلام ورحمة الله أنكَ تقصد ب عليكم السلام الوجوب وبما زاد الندب ، بل تقصد بالجميع الوجوب ؛ فإنه أجمع أحدُ أفراد المخيّر ، وكلّ منها يُفعل بعنوان الوجوب.
وكذلك الكفائيّ معناه وقوع التخيير للجماعة الذين كُلّفوا به بين أن يفعله واحد منهم أو أكثر ، ففِعْلُ الواحد مع ترك الباقين بمنزلة أحد أفراد المخيّر ، فلو فَعَلَه الثاني أيضاً كان فعل الاثنين بمنزلة الفرد الآخر من المخيّر ، فيلزم فيه ملاحظة الوجوب ؛ لأن فعل الاثنين مثلاً متعاقباً كان أو دفعة بمثابة فرد من أفراد المخيّر ، فلا منافاة بين كون فعل الاثنين مستحبّاً عيناً واجباً تخييراً كأفراد المخيّر.
وسقوط الإثم بعدم فعل أحد فردي المخيّر لا ينافي نيّة الوجوب بفعله إذا اختير ، وهذا معنى قول الشيخ حسين : في ( شرح المفاتيح ) : ( ولو كان المخاطب به يعني : السلام جماعة ، وهي اثنان فصاعداً ، فالردّ واجبٌ كفائيّ ، وردّ الجميع مستحبّ
__________________
(١) إشارة إلى قوله تعالى : ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها ). النساء : ٨٦.