عينيّ ) ، انتهى.
فلا تتوهّم أنه أراد أن ردّ ما زاد على الواحد مستحبّ ، أي ليس بواجب ؛ إذ لا تُشعر عبارته بهذا أصلاً ، ولو كان كذلك لكان معنى كلامه أنه إذا ردّ الجميع كان ردّ كلّ واحد مستحبّاً ، الأوّل والآخر ؛ لشمول لفظ الجميع لهما وما بينهما ، وأنه لو ردّ الجميع دفعة كان ردّهم مستحبّاً ، وهذا لا يقول به أحد من الأُمّة ، بل أراد بهذا مِثْلَ ما أراد بقوله : ( يجب الردّ بالأحسن أو المثل تخييراً وإن كان الأحسن مستحبّاً عينيّاً ) ، فجَعَلَ ردّ الجميع فرداً من أفراد ما خُيّر به مَنْ وجب عليهم الردّ من ردّ واحد أو أكثر ، فجَعَل رَدّ الجميع في الكفائيّ كالردّ بالأحسن في التخيير.
والظاهر أن هذا مقصود فقهائنا بمثل هذا الكلام ، فتنبّه فإنه دقيق ، ولا تستوحش من قلّة مَنْ نبّه على هذا بواضح البيان.
ولعلّ ما جاء في أخبار الباب التي هي الدليل بعد الإجماع على كفاية ردّ واحد من الجماعة إذا سلّم عَليهم مسلّم مثل موثّق غياث بن إبراهيم : عن أبي عبد الله عليهالسلام : قال إذا سلَّم من القوم واحد أجزأ عنهم ، وإذا ردَّ واحد أجزأ عنهم (١) وخبر ابن بكير : عن أبي عبد الله عليهالسلام : قال إذا مرَّت الجماعة بقوم أجزأهم أنْ يسلِّم واحد منهم ، وإذا سلَّم على القوم وهُمْ جماعة أجزأهم أنْ يردَّ واحد منهم (٢) وأمثالهما يشعر بأن الردّ مطلقاً واجب ؛ لما فيه من الإشعار بأن ردّ الواحد من الجماعة أقلّ الواجب وأدنى مراتبه ، فأشعر بأن الردّ الواجب درجات ، أدناها ردّ واحد من الجماعة ، فيكون ردّ الاثنين درجة فوقه ، وهكذا إلى أن يردّ الجميع دفعة أو متعاقبين.
وردّ الجميع أعلى الدرجات ؛ ولذا قال العلماء : إن ردّ الجميع واجب كفاية ومستحبّ عيناً. ولمْ يُفَرّقوا بين ردّ الجميع دفعة أو متعاقبين ، بل أطلقوا بأن ردّ الجميع واجب كفاية ، مستحبّ عيناً.
__________________
(١) الكافي ٢ : ٦٤٧ / ٣ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٧٥ ، أبواب أحكام العشرة ، ب ٤٦ ، ح ٢.
(٢) الكافي ٢ : ٦٤٧ / ١ ، وسائل الشيعة ١٢ : ٧٥ ، أبواب أحكام العشرة ، ب ٤٦ ، ح ٣.