فقد بان أن الكفائيّ والتخييريّ نوعان لمطلق ما اقتضت الحكمة تخيير المكلّفين التخيير فيه إلّا إن الأوّل في فعل الفاعل من حيث هو فاعل ، والثاني في فعله من حيث هو مفعوله ، كلّ ذلك تخفيف من الله ورحمة ، فكأن الجماعة المسلّم عليهم شخص واحد بملاحظة الهيئة الاجتماعيّة ، وكلّ واحد كأنه جزء من تلك الوحدة.
ولا ريب أن المسلّم إذا سلّم على متعدّدين يُلاحِظ أنه يسلّم على جملتهم من حيث إنهم جملة ، وعلى جميعهم من حيث الجمعيّة الحاصلة لهم حينئذٍ ، فكأنه يُلاحظ التسليم على شخص ذي أجزاء لا عليهم من حيث تعدّدهم ، وإلّا لم يكن فرق بين أن يسلّم على كلّ واحد واحد بعينه بسلام متعدّد ، أو بأنْ يقول : السلام عليك يا فلان ، ويا فلان ، ويا فلان ، وبين أن يقول : السلام عليكم. ملاحظاً للسلام على الجميع من حيث هو جميع.
والفرق واضح ؛ إذ لا ينبغي الشكّ في وجوب الردّ على كلّ واحد منهم إذا لاحظ المسلّم وقصد التسليم على كلّ واحد ولو بالصيغة الأخيرة ؛ لأن ردّ السلام ثابت وجوبه لا يسقط إلّا بوجه دلّ عليه الشرع ، ولا دليل هنا. والأصل أيضاً عدم إجزاء فعل الغير في سقوط ما وجب على الغير ، ولا دليل هنا على إجزاء ردّ الغير عن الغير.
وخرج ما لو سلّم على جماعة بعنوان الجمعيّة ، وملاحظة الوحدة الحاصلة من الهيئة الاجتماعيّة بدليل ، فيبقى ما سوى ذلك في عهدة التكليف حتّى يردّ بنفسه. وكأنهم أرادوا جميعاً حينئذٍ شخصاً واحداً كُلّفَ بعبادة فعملها بجميع أجزائه ، وذلك أكمل أفراد امتثاله ، وتأديته ما وجب عليه.
وأمّا وجه سقوط الإثم عن الكلّ إذا ردّ واحد منهم فظاهرٌ ممّا قرّرناه ؛ إذ هو حينئذٍ بمثابة عمل بعض الكلّ من حيث هو بعض ، فيجزي عن كلّه من حيث هو كلّه ، وذلك حينئذٍ بمثابة ذكر اللسان الواجب ، فإنه يُسقط العقاب ، ويُوجبُ الثواب عن كلّ الإنسان ، وله ، فما أشبه هذا بهذا!.