وكلاهما لم يُرد ما نحن فيه من نيّة مَنْ أراد أن يصلّي على ميّتٍ بعد أن صلّى عليه غيره ، بل أرادا نيّة من صلّى ثمّ أراد أن يُعيد الصلاة هو مرّة أُخرى على فرض مشروعيّتها ، وهذه حينئذٍ بمنزلة اليوميّة المُعادة جماعة.
فقد قيل بالتخيير فيها بين نيّة الوجوب والندب ، والمشهور المنصور أنها لا تُعاد إلّا ندباً ؛ لانقضاء الفرض ، وعدم الدليل على ثبوت التكليف بفرضي ظهر مثلاً في يوم ، فهو حينئذٍ خارج عن الشريعة ، والتخيير أيضاً لا معنى له ؛ لأن العبادة بأصل الشرع ؛ إمّا واجبة ، أو مندوبة بذاتها. وكلّ منهما لا ينقلب حقيقته إلى الآخر باختيار أحد من المكلّفين ، وإنما توصف الأفعال وتتحقّق بصفة الوجوب أو الندب وغيرهما من الصفات الخمس بحسب حكمة الله وحده ، فلا أرى وجهاً لجواز نيّة الوجوب في المُعادة من شخص واحد ، فضلاً عن الجواز ؛ إذ لا يظهر دليل على مشروعيّتها بوجه أصلاً ، وكلامهما خارج عمّا نحن فيه.
وما مال إليه السيد : رحمهالله (١) من عدم مشروعيّة تكرار الصلاة من الشخص الواحد إذا لم يكن إماماً وصلّى بجماعة أُخرى مطلقاً ، سواء صلّى الأُولى جماعة أو منفرداً ، قويّ جدّاً.
ومثله إعادة الصلاة جماعة للإمام أيضاً بمن صلّى بهم أوّلاً ؛ فإنه لم يظهر لي دليل على مشروعيّة ذلك.
فأمّا إعادتها بمعنى تكرارها من أشخاص متعدّدين ، ومن الإمام بجماعة آخرين ، فلا شكّ في مشروعيّته.
وفي كراهته فرادى أو جماعة نظر ؛ لعدم ما يقاوم ويعارض ما مرّ من الأخبار من فعل المعصوم وتقريره ، وأمّا ما في ( المختلف ) (٢) من اختصاص سهل : بذلك فممّا لا دليل عليه ، بل الدليل ينفيه ؛ لأن في أُمّة محمَّدٍ صلىاللهعليهوآله : أمثاله كثير ، ومَنْ هو أفضل منه ، فلا يظهر وجه حكمة ولا دليل على اختصاصه بذلك دونهم. وما جاز بالنسبة لأهل
__________________
(١) مدارك الأحكام ٤ : ١٨٣ ـ ١٨٦.
(٢) مختلف الشيعة ٢ : ٣١٠ / المسألة : ١٩٤.