الفضل جاز في غيرهم ؛ لعدم الفارق في هذا التكليف ، من نصّ ، أو فتوًى.
ولم أقف على ناصّ مصرّح من الأصحاب على اتّصاف صلاة المصلّي ثانياً على الجنازة بعد أن صلّى عليها غيره ، وسلام الرادّ بعد ردّ غيره بعنوان الندب.
ومثل عبارة ( الدروس ) (١) المتقدّمة وقول العلّامة : في ( التحرير ) : ( من لم يصلّ على الجنازة يستحبّ له أن يصلّي على القبر يوماً وليلة ، ثمّ لا يصلّي بعد ذلك على أظهر القولين ) (٢) ، وما ماثلهما من عبارات الأصحاب ، فالظاهر أنهم إنما عَنوا الاستحباب العينيّ ، وهو يجامع الوجوب الكفائيّ والتخييريّ ، ولا أقلّ من الاحتمال.
وبالجملة ، فنيّة الاستحباب فيما نحن فيه لم أقف على مصرّح بها من الأصحاب إلّا ما تُوهّم عن ( روض الجنان ) (٣) ولا على ما يدلّ عليه. وما استدلّ له به الشهيد رضياللهعنه : في ( التمهيد ) من ( سقوط الفرض بالأُولى ، ولا معنى للواجب إلّا ما يؤثم بتركه إمّا مطلقاً ، أو بغير بدل ، ولا إثم هنا على الباقين ) (٤) قد مرّ جوابه ، فإن الكفائيّ يعمّ الخطاب به جميع المكلّفين ، بإجماع الفرقة.
ولم يُنقل الخلاف فيه إلّا عن بعض الشافعيّة (٥) ، فإنهم ذهبوا إلى أنه واجب على فرد غير معيّن ؛ واحتجّوا بأن الواجب ما يستحقّ تاركه الذمّ والعقاب ، وهذا التارك لا يستحقّ ذمّاً ولا عقاباً إذا فعله غيره ، فلا يكون واجباً عليه ، ولأن الواجب لا يسقط بفعل الغير ، ولأنه كما أمَرَ بواحد مبهم ، جاز أمْرُ بعضٍ مبهم ، ولأنه تعالى أوجبَ النفور للتفقّه في الدين (٦) على بعض غير معيّنٍ.
ودليلهم الأوّل هو بعينه دليل القائل بالاستحباب في المبحوث عنه كما يظهر
__________________
(١) الدروس ١ : ١١٢.
(٢) تحرير الأحكام ١ : ١٩ ( حجريّ ).
(٣) روض الجنان : ٣١٠.
(٤) تمهيد القواعد : ٥٠.
(٥) ذهب إلى ذلك صاحب المحصول ، انظر فواتح الرحموت ( في هامش المستصفى من علم الأُصول ) ١ : ٦٣. والبيضاوي ، انظر مفاتيح الأُصول : ٣١٣ ( حجريّ ).
(٦) في قوله تعالى : ( وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ). التوبة : ١٢٢.