وحيث اشترطنا القطع أو الظنّ الشرعيّ بوقوعه ، فلو أخبرنا واحد بوقوع الصلاة على الميّت لم يسقط عنّا ؛ لعدم حصول الظنّ الشرعيّ بذلك.
أمّا لو صلّى عليه واحد مكلّف فهل يسقط الوجوب بذلك عنّا مطلقاً ولو كان أنثى ، أو يشترط فيه العدالة؟ إشكال ، ينشأ من عدم قبول خبر الفاسق لو أخبَر بإيقاعها ؛ لوجوب التثبّت عند خبره ، ومن صحّة صلاة الفاسق في نفسها. هذا هو المشهور في الحكم ، وفيه إشكال ينشأ من أن قيام الظنّ مقام العلم إنما هو بنصّ خاصّ ، أو بدلالة عقليّة ، ولا شيء منهما فيما نحن فيه. ولأن الوجوب معلوم والمُسْقِطُ مظنون ، والعلم لا يسقط بالظنّ فتأمّل فيه ) (١) ، انتهى.
والذي يظهر لي أن المسألة تدور على الظاهر دون الأصل ، فيكفي في الحكم بسقوط التكليف به الظنّ الغالب المستند إلى الأمارات القويّة [ التي (٢) ] يظهر منها قيام الغير به ، مثل إخبار العدل عن نفسه أو غيره ، ومثل استمرار عادة أهل محلّة الميّت واستقرارها على أنهم لا يدفنون ميّتهم بغير صلاة ، وخصوصاً إذا كان فيهم [ صالحٌ (٣) ] ، ومثل مشاهدة صلاة أحد عليها ، مع العلم بمعرفته للصلاة وعلمه بوجوبها. وإلّا لزم الحرج ؛ إذْ العلم اليقينيّ لا يُمكن حصوله ، لو رأيتَ عدلين يصلّيان على جنازة أو أخبراك بأنه صُلّيَ عليها كان غايته الظنّ وإن كان ذلك علماً شرعيّاً ، لكنّه لا يفيد أكثر من الظنّ ؛ لعدم إمكان الاطّلاع على نيّتهما.
وأيضاً لو لم نقل بكفاية الظاهر والظنّ القويّ المستند إلى القرائن للزم أنه متى سمع المسلمون بميّت في أرضٍ لزمهم أجمعين السعي إلى الصلاة عليها ولو بسفر مع المكنة ، حتّى تقوم البيّنة بأنه صُلّي عليها أو يصلّون عليها. وهو خلاف عمل الأُمّة في سائر الأعصار ، بل عملهم على الدوام الاعتماد على مثل هذا الظنّ ، وتقديم
__________________
(١) عنه في مفاتيح الأُصول : ٣١٤ ، ٣١٥ ( حجريّ ) ، ولم يورده كاملاً.
(٢) في المخطوط : ( الذي ).
(٣) في المخطوط : ( صلحا ).