إلى نقطة مغلقة فلا يحصلون على المستندات التي قد تساهم في إبراز الواقع التاريخي بما هو مطلوب؟
وقد نحى بعض المحقّقين في مثل هذه المطالب منحىً سلبيّاً تمثّل في نفي هذه الحوادث الشهيرة تحت ذريعة «الاستحسان والذوق الشخصي» أو «مجرّد الاستبعاد» القابل للمناقشة والبحث العلمي ، أو قولهم إنّ هذه الحوادث والمطالب لم تستند إلى دليل قوي ، وهذا الطريق من أهل الطرق ـ أعني نفي الحقائق التأريخية المعروفة والشهيرة ـ بلا بذل أي جهد وعناء في الكشف عنها يمحو الحقيقة من الواقع أكثر من أن يحلّ معضلتها.
والطريق الآخر الذي سلكه البعض الآخر من المحقّقين تمثّل في تحمّلهم لعناء البحث العلمي وصبرهم في الوصول إلى الحقيقة وإثباتها بدل نفيها ، وهمّتهم في تجميع أكبر قدر يمكن تحصيله من القرائن والمؤيّدات التي تدعم الحادثة من مراجعة كتب التأريخ ، والتفسير واللغة والحديث بل ومراجعة دواوين الشعراء المعاصرين لتلك الحقبة الزمانية والدقّة في فهم النصوص ومدى دلالتها الالتزامية والمطابقية والبحث في منطوقها ومفهومها وأبعاد السياق اللفظي ومعالجة كلّ ذلك مع الواقع التأريخي آنذاك بكلّ تتبّع وإشراف ، ومن خلال ذلك يصل رويداً رويداً إلى اكتشاف الكثير من الحقائق فمثلاً :
عندما نتأمّل في موضوع إحراق الكتب الشيعية قديماً وعمليات الإبادة التي تعرّض لها رجالات الشيعة ، أو محاكم التفتيش العقائدي ـ إن صحّ التعبير ـ من قِبل سلاطين الجور ووعّاظهم نعرف الحقيقة التالية :
أوّلاً : أنّ عدم الحصول على الدليل التأريخي مع شهرة الحادثة لا يدلّ على عدمها وكما قالوا : عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود.
ثانياً : لا يمكن دائماً وأبداً إجراء المقولة : لو كان لبان فننكر المشهورات تحت هذه الذريعة وذلك لأنّ للظروف مدخلية لا يمكن البتّ بدون ملاحظتها.
ثالثاً : لا يمكن وبكلّ بساطة أن ننكر ما عندنا من بعض الأدلّة والوثائق بدافع الاستبعاد أو الاستحسان الموجّه ، ونعدها من جملة الخرافات أو الموضوعات ، لأنّه من