الممكن أن يكون الاستبعاد ناتجاً عن عدم الاطّلاع أو عن الغفلة ببعض جوانب القضيّة التي لو عرفت لتبدّل الاستبعاد إلى حالة من القبول وفقاً للتحليل العلمي ، أو في أقلّ التقادير ينقدح في أُفق الذهن تصوّر جديد.
رابعاً : علينا أن ندرك أنّ دلالة الخبر الواحد أو غير المعتبر لا يستلزم بالضرورة الكذب وما هو خلاف الحقّ ، بل المطلوب هو أن نجعل مثل هذه الأخبار بديلاً عن قراراتنا القطعية في نفي الواقعة التأريخية ، لتكون ـ الأخبار ـ مورداً للبحث والتحقيق الواسع ويمكن الموازنة بينها وبين روايات أُخرى لنعرف الصحيح ، بل يمكن أن تكون هذه الأخبار الآحاد رأس خيط للوصول إلى حقائق كبيرة أو أنّها قد تصلح في حالة تعارض الأدلّة مؤيّداً ومرجّحاً لإحدى الطوائف.
وطبيعياً فإنّ الانكار يحتاج إلى دليل كما أنّ إثبات أي شيء بحاجة إلى دليل ، نعم ما لا يحتاج إلى دليل هو قول : لا أدري بل إنّ النفي يستلزم مؤونة أكثر من الإثبات ، وعلينا أن لا ننسى أنّ الاستحسانات أو الاستبعادات والتحليلات العقلية لها مكانها الخاص بها ولا يمكن أن نغليها تماماً ، كما لا يمكن أن نطرح الأُمور خلافاً للقواعد العقلية المسلّمة ، ولا ننسى أيضاً أنّ الكلمة الأخيرة في هذا الميدان هي : التتبّع والتحقيق التحليل في الأدلّة والوقائق التأريخية بشكل مباشر أو غير مباشر (١).
والبحث الذي نحن بصدده عن السيّدة رقيّة عليها السلام لا يستثنى من هذه الأُصول والقواعد ، فمضاناً لما تقدّم منّا من ذكر المصادر التأريخية القديمة الدالّة على وجود هذه الشخصية ، أيمكن أن نستدلّ بمصادر أُخرى أكثر قدماً من «اللهوف» و «كامل البهائي» على وجود هذه الشخصية الشريفة من خلال التتبّع؟ الجواب بحمد لله هو نعم يمكن أن نجد أكثر من هذه المصادر لإثبات ذلك بالتتبّع والتحقيق.
فمن أقدم النصوص ـ على حسب تتبّعنا ـ الذي أشار إلى وجود هذه السيّدة
__________________
(١) أُنظر كتاب : الماء في عاشوراء.