اللعين لم يحسّ بشيء وبقيت مشدوهاً حائراً أُقلّب فكري وأتأمّل في عظمة الظلم الذي صبّه هذا الطاغية على ذرّية أميرالمؤمنين عليه السلام ، التفت إلى الرأس الشريف فوجدت الدموع تنهمر من عينيه ، تعجّبت كثيراً ، ثمّ أنّ الرأس الشريف نطق بصوت عالي يسمعه من كلّ على بعد أربعة أذرع وقال : اللهمّ هؤلاء أولادنا وأكبادنا وهؤلاء أصحابنا.
يقول طاهر : حينما شاهدت هذا المنظر غلبتني الوحشة والدهشة وأخذت أبكي ، ثمّ إنّني أشرفت من قصر يزيد ـ وقد كانت الخرابة خلفه ـ لأرى ما الحدث ، فلعلّ أحد أهل البيت عليهم السلام توفّي فأخذ البقية يبكون عليه.
حقّقت النظر فوجدت الأسارى محدقين بطفلة صغيرة كانت تحثو التراب على رأسها وتقول ، يا عمّتي ويا أُخت أبي أين أبي؟ أين أبي؟
تساءلت منهم ما الخبر؟ قالوا : طفلة للإمام الحسين عليه السلام رأت والدها في المنام والآن تبكي وتنوح وتقول : أُريد والدي. وهي لا تهدأ أبداً.
يقول طاهر : بعد أن شاهدت هذا المنظر المشجي رجعت إلى يزيد فوجدته قد استيقظ وهو ينظر إلى رأس سيّد الشهداء عليه السلام وهو يرجف كالورقة في الريح الشديدة من شدّة الخوف.
وفي ذلك الأثناء التفت الرأس الشريف إلى يزيد وقال : يابن معاوية ، ماذا صنعت لك حتّى تظلمني هكذا وتودع أهل بيتي في خرابة الشام.
ثمّ إنّ الرأس الشريف توجّه إلى الله الخبير اللطيف وقال : اللهمّ انتقم منه بما عمل بي وظلمني وأهلي (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (١).
كان الرأس يتحدّث بهذه الكلمات ويزيد اللعين يرتعد ويرجف حتّى كادت أضلاعه تلتصق ببعضها من شدّة الخوف.
ثمّ إنّ الطاغية تساءل عن بكاء أهل البيت عليهم السلام فأخبرته بالحدث ، فأشار على
__________________
(١) سورة الشعراء : ٢٢٧.