جلاوزته أن يأخذوا رأس الإمام الحسين عليه السلام إلى الطفلة الصغيرة لتتسلّى به.
فأخذ جلاوزته الرأس المبارك إلى الخرابة وإذا بجميع النساء والأطفال يقبلون نحوهم ويأخذون الرأس منهم ثمّ جلسوا يبكون عليه خاصّة عقيلة الهاشميين زينب عليها السلام التي كانت تحول حول الرأس الشريف كما تحوم الفراشات حول الشمعة.
وبينما هم كذلك إذا بالسيّدة رقيّة تشاهد رأس أبيها وتقول : ما هذا الرأس؟ قالوا : هذا رأس أبيك فحملت الطفلة الرأس من الطشت وجعلته في حجرها وهي تبكي وتقول : أبتاه ، ليتني مت دونك ، أبتاه ليتني عميت قبل أن أراك على هذه الحالة ، أبتاه ليتني مت وكنت تحت التراب ولا أرى محاسنك مخضوبة بدمك ، فبقيت الطفلة تبكي وتقبّل الرأس وتنوح حتّى أُعمي عليها.
ولمّا حرّكوها وجدوها قد فارقت الدنيا وارتحلت إلى الملأ الأعلى مع جدّتها الطاهرة الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السلام.
وبوفاة الطفلة ضجّ كلّ من كان في الخرابة وتجدّد مصابهم من جديد.
أقول : ربما كانت هذه الطفلة التي ماتت في خرابة الشام هي السيّدة رقيّة عليها السلام بنت الإمام الحسين عليه السلام إذ أنّ المزار الشريف الموجود اليوم في خرابات الشام ينسب إليها هو معروف بمزار السيّدة رقيّة عليها السلام.
ولا يخفى أنّ وفاة هذه الطفلة وجميع القضايا المتعلّقة بها مثل أحاديثها مع السيّدة زينب عليها السلام وكيفية شهادتها ، وطريقة غسل السيّدة زينب وأُمّ كلثوم لها وغير ذلك قد دوّنت وحفظت للأجيال على مرّ الزمان لتبقى هذه المصيبة التي تهدّ الجبال وتصدع الصخور الصمّاء خالدة إلى يوم القيامة (١).
وقد ذكر البعض أنّ اسم هذه الطفلة كان زينب وقال البعض الآخر أنّ اسمها رقيّة وذهب جماعة أنّ اسمها سكينة. وذكر البعض أنّ يزيد اللعين أمر عمّاله أن يشيدوا عمارة
__________________
(١) منتخب التواريخ الباب الخامس ص ٢٩٩.