وإلى هذا أشار المصنف بقوله : «وقد يجوز نحو : فائر أولو الرّشد» أى : وقد يجوز استعمال هذا الوصف مبتدأ من غير أن يسبقه نفى أو استفهام.
وزعم المصنف أن سيبويه يجيز ذلك على ضعف ، ومما ورد منه قوله :
(٤٠) ـ
فخير نحن عند النّاس منكم |
|
إذا الدّاعى المثوّب قال : يالا |
__________________
٤٠ ـ هذا البيت لزهير بن مسعود الضبى.
اللغة : «الناس» هكذا هو بالنون فى كافة النسخ ، ويروى «البأس» بالباء والهمزة وهو أنسب بعجز البيت «المثوب» من التثويب ، وأصله : أن يجىء الرجل مستصرخا فيلوح بثوبه ليرى ويشتهر ، ثم سمى الدعاء نثوييا لدلك «قال يالا ، أى : قال يا لفلان ، فحذف فلانا وأبقى اللام ، وانظر ص ١٥٩ السابقة.
الإعراب : «فخير» مبتدأ «نحن» فاعل سد مسد الخبر «عند» ظرف متعلق بخير ، وعند مضاف و «والناس» أو «البأس» مضاف إليه «منكم» جار ومجرور متعلق بخير أيضا «إذا» ظرف للمستقبل من الزمان «الداعى» فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور ، والتقدير : إذا قال الداعى ، والجملة من الفعل المحذوف وفاعله فى محل جر بإضافة إذا إليها «المثوب» نعت للداعى «قال» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الداعى ، والجملة من قال المذكور وفاعله لا محل لها من الإعراب مفسرة «يالا» مقول القول ، وهو على ما عرفت من أن أصله يا لفلان.
الشاهد فيه : فى البيت شاهدان لهذه المسألة ، وكلاهما فى قوله «فخير نحن» ، أما الأول فإن «نحن» فاعل سد مسد الخبر ، ولم يتقدم على الوصف ـ وهو «خير» ـ نفى ولا استفهام وزعم جماعة من النحاة ـ منهم أبو على وابن خروف ـ أنه لا شاهد فى هذا البيت ، لأن قوله «خير» خبر لمبتدأ محذوف ، تقديره «نحن خير ـ إلخ» وقوله «نحن» المذكور فى البيت تأكيد للضمير المستتر فى خير ، وانظر كيف يلجأ إلى تقدير شىء وفى الكلام ما يغنى عنه؟ وأما الشاهد الثانى فإن «نحن» الذى وقع فاعلا أغنى عن الخبر هو ضمير منفصل ؛ فهو دليل للجمهور على صحة ما ذهبوا إليه من جواز كون فاعل الوصف المغنى عن الخبر ضميرا منفصلا ، ولا يجوز فى هذا البيت أن يكون قوله «نحن» مبتدأ مؤخرا ويكون «خير» خبرا مقدما ؛ إذ يلزم على ذلك الفصل بين «خير» وما يتعلق به ـ وهو قوله «عند الناس» وقوله «منكم» ـ بأجنبى ، على ما قررناه فى قوله تعالى :