..................................................................................
__________________
ابن إسماعيل بن هشام بن المغيرة ، والى المدينة من قبل هشام بن عبد الملك بن مروان ـ وكان قد مدحه من قبل فلم ترقه مدحته ، ولم يعطه ، ولم يكتف بالحرمان ، بل أمر به فضرب بالسياط ، وأول هذه الكلمة قوله :
مدحت عروقا للنّدى مصّت الثّرى |
|
حديثا ، فلم تهمم بأن تترعرعا |
نقائذ بؤس ذاقت الفقر والغنى |
|
وحلّبت الأيّام والدّهر أضرعا |
اللغة : «مصت الثرى حديثا» أراد أنهم حديثو عهد بنعمة ؛ فكنى عن ذلك المعنى بهذه العبارة ، ولما عبر عنهم أولا بالعروق جعل الكناية من جنس ذلك الكلام «بأن تترعرعا» يروى براءين مهملتين بينهما عين مهملة ، ويروى «تتزعزها» بزاءين معجمتين بينهما عين مهملة كذلك ، ومعناه تتحرك ، يريد أنهم حدثت لهم النعمة بعد البؤس والضيق ؛ فليس لهم فى الكرم عرق ثابت ؛ فهم لا يتحركون للبذل ، ولا تهش نفوسهم للعطاء «نقائذ» جمع نقيذ ، بمعنى اسم المفعول ، يريد أن ذوى قرابة هؤلاء أنقذوهم من البؤس والفقر «أضرع» هو جمع ضرع ، والعبارة مأخوذة من قول العرب : حلب فلان الدهر أشطره ، يريدون ذاق جلوه ومره «ذوو الأحلام» أصحاب العقول ، ويروى «ذوو الأرحام» وهم الأقارب من جهة النساء «سجلا» ـ بفتح فسكون ـ الدلو ما دام فيها ماء قليلا كان ما فيها من الماء أو كثيرا ، وجمعه سجال ، فإن لم يكن فيها ماء أصلا فهى دلو لا غير. ولا يقال حينئذ سجل ، والغرب ـ بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة ، وكذلك الذنوب ـ بفتح الذال المعجمة ـ مثل السجل ، يريد أن الذى منحه ذوو أرحام هؤلاء إياهم شىء كثير لو وزع على الناس جميعا لوسعهم وكفاهم ، ولكنهم قوم بخلاء ذوو أثرة وأنانية ؛ فلا يجودون وإن كثر ما بأيديهم وزاد عن حاجتهم.
المعنى : إن هذه العروق التى مدحتها فردتنى إنما هى عروق ظلت فى الضر والبؤس حتى أنقذها ذوو أرحامها بعد أن أوشكت أن تموت ، ويقصد بذوى أرحامها بنى مروان.