فإنّا نمنع منافاة العزم على السفر لنيّة الصوم ، كما لا ينافيه احتمال طروء المسقط من الحيض ونحوه ؛ إذ الّذي ينوي الواجب من الصوم وغيره ، فإنّما ينويه مع بقائه على شرائط التكليف ، وقبل تحقق السفر الموجب للقصر يجب الصوم قطعاً ؛ إذ من الممكن عدم السفر وإن حصل العزم عليه ، فيجب بنية على هذا الوجه كما هو واضح (١).
أقول : عمدة مقصود المحقّق من الاستدلال بالآية هو إبطال مذهب الخصوم ، حيث أطلقوا وجوب الإفطار مع الخروج قبل الزوال أو مطلقاً ، وأمّا ما ذكره في رفع الإلزام فمَداره على مقدّمات ثلاث على ما فسّرنا به كلامه.
أحدها : عدم إمكان التعليق في نية العبادات ولزوم الجزم.
والثانية : عدم إمكان اجتماع إرادة السفر مع إرادة الصوم.
والثالثة : صحّة الصوم مع تجديد النيّة قبل الزوال.
وأمّا المقدّمة الثالثة فمسلّمة مدلول عليها بالأخبار.
وأما المقدّمتان الأوّلتان ؛ ومعيارهما إرادة مطلق العزم على السفر ، المجامع للعزم المشروط على الصوم ، كما هو مفاد الدليل الأوّل ، وإرادة العزم المطلق على السفر الذي لا يجامع العزم على الصوم مطلقاً.
فنقول : أمّا المقدّمة الثانية فتمام ؛ لأنّ فرض تحقّق العزم المطلق البات القاطع إنما يتمّ مع عدم التفطّن لضدّه ، ومع عدم التفطّن له لم يتحقّق القصد إلى الضدّ أصلاً ؛ لعدم اجتماع إرادتي الضدّين مع النية بالبديهة ، وإنكاره مكابرة.
ومع تفطّنه لإرادة الصوم ؛ فإما يجزم على عدمه ، فتمتنع إرادته ، أو يقصد فعله لو طرأ مانع ، وحينئذٍ فيلزمه التردّد في العزم على السفر.
وهذا خلف مثاله أنه من عزم على سفر شرعي لرفع ظلم عن مظلوم بعنوان الجزم من دون أن يتفطّن لأنّه إذا بلغ خبر الخلاص في أثناء الطريق قبل البلوغ إلى المسافة
__________________
(١) المدارك ٦ : ٢٩٠.