وأما قوله تعالى (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) فيشكل الاستدلال به على إرادة الإمساك المجرد ، فلم يظهر دليل على حرمة الإفطار مع القول ببطلان الصوم إلا احتمال الإجماع المنقول ، لإرادة وجوب الإمساك تعبّداً ، لا لأنّه صوم ، وهو خلاف ظاهر عبارة الخلاف كما عرفت.
وأما دليل وجوب القضاء فلعلّه عمومات وجوب القضاء على المسافر ، سيما وقوله تعالى (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) (١) ، لا تصريح فيه بالإفطار ، فإنّها شاملة لكلّ من لم يصم صوماً حقيقياً ، سواء أمسك بدون الصوم الحقيقي أو لم يمسك ، ومن أمسك بنية الصوم الحقيقي وإن كان باطلاً في نفسه ، فإنّ الظاهر منها أنّ المسافر يبطل صومه بنفس السفر ويجب عليه أيام أُخر ، لا أنّه إن كان شيئاً مثلاً فيجب عليه القضاء.
والجواب : منع العموم أوّلاً ، وتخصيصها بما ذكرنا ثانياً.
وبالجملة الحكم بوجوب الإمساك والقضاء معاً لا دليل عليه ، والأصل براءة الذمّة من زيادة التكليف.
وأما دليل الشيخ في كتابي الأخبار (٢) فهو محض الجمع بين رواية عبد الأعلى (٣) وما دلّ على عدم جواز الإفطار إذا خرج بعد الزوال عموماً (٤) ، وهو أيضاً مشكل ؛ لأنّه موقوف على المقاومة ، وليس مطلق الجمع بين الأخبار دليلاً يعتمد عليه.
وهذا كلّه مما يضعف القول باعتبار التبييت وعدمه ؛ إذ لا يكاد ينطبق هذا القول بتمامه على دليل يُعتمد عليه.
فأقوى الأقوال إذن قول المفيد (٥) أعني وجوب الإفطار إذا خرج قبل الزوال مطلقاً ،
__________________
(١) البقرة : ١٨٥.
(٢) التهذيب ٤ : ٢٢٨ ، الاستبصار ٢ : ٩٨.
(٣) التهذيب ٤ : ٢٢٩ ح ٦٧٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٩ ح ٣٢٤ ، الوسائل ٧ : ١٣٤ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١٤.
(٤) الوسائل ٧ : ١٣١ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥.
(٥) انظر المقنعة : ٣٥٤.