وأما صحيحة الحلبي ؛ فظاهر الضعف فيها هو المشقّة ، لا التعذّر ، وكذا صحيحة عبد الملك ، بل وكذلك صحيحة محمّد بن مسلم الأُولى ، فإنّ ظاهر نفي الحرج هو إمكان حصول الصوم.
فلم يبقَ لهم إلا الروايتان الأخيرتان ، وهما لا تقاومان الأصل مع الإجماعين المنقولين.
وأما ما احتجّ به السيد لهذا التفصيل بقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها) (١) والشيخ العاجز رأساً خارج عن التكليف ، فلا فدية عليه ؛ لأنّ الفدية إنّما تكون عن تقصير (٢).
ففيه أوّلاً : منع كون الفدية مبتنية على التقصير ، ولعلّه حسبها كفّارة ، مع أنّ لزوم التقصير في الكفّارة أيضاً ممنوع ، كما في بعض أفراد الخطأ المحض.
وثانياً : أنّ الكتاب والسنة دالان على أنّ العسر والحرج أيضاً مسقطان للتكليف ، فيلزم السقوط عمن تعسّر عليه أيضاً.
وكيف كان فالأحوط الفدية مطلقاً ، وإن كان الأظهر التفصيل.
الثالث : مقدار التصدّق هو مُدّ من طعام ، كما هو مقتضى الأخبار المتقدّمة ، وذهب الشيخ في التهذيب والنهاية والمبسوط إلى أنّه مُدّان ، فإن لم يقدر فمُدّ (٣) ؛ جمعاً بين تلك الأخبار ، وبين صحيحة محمّد بن مسلم الأُولى المروية بسند آخر صحيح أيضاً ، وفيها : «ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدين من طعام» (٤).
والأولى حملها على الاستحباب ؛ لعدم المقاومة ، وعدم ما يدلّ على هذا الجمع في الأخبار وغيرها ، سيّما بملاحظة الأصل ، وعدم اقتضاء ظاهر الآية أيضاً إلا ذلك ،
__________________
(١) البقرة : ٢٨٦.
(٢) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٦.
(٣) التهذيب ٤ : ٢٣٨ و ٢٣٩ ، النهاية : ١٥٩ ، المبسوط ١ : ٢٨٦.
(٤) الكافي ٤ : ١١٦ ح ٤ ، الفقيه ٢ : ٨٤ ح ٣٧٥ ، التهذيب ٤ : ٢٣٨ ح ٦٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٠٤ ح ٣٣٨ ، الوسائل ٧ : ١٤٩ أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ١.