الاعتكاف ، وكون بقائه مقدمة له.
وثانياً : أن جواز القطع لا يستلزم وجوبه ، حتّى يستلزم منكراً.
والحاصل : أنّ الاعتكاف مشروط بكونه حال الصوم ، وبعدم إبطال الصوم ، ولا يتوقّف على كونه في ضمن صوم لا يجوز إبطاله.
والصوم المندوب إنّما يستلزم جواز إفطاره وإبطاله ، لأنفس الإبطال والإفطار حتماً ، نظير ما ذكره القائل بعدم وجوب مقدّمة الواجب في جواب المستدلّ على الوجوب ، حيث استدلّ بأنّه لو لم يجب لجاز تركها ، وبعد تركها فإمّا هو مكلّف بالفعل أو لا ، وعلى الأوّل يلزم التكليف بما لا يطاق ، وعلى الثاني خروج الواجب المطلق من الوجوب.
وأجاب المنكر : بأن جواز الترك لا يستلزم وجوبه ، ولا يخرج بسببه المقدور عن المقدورية ، وتكليف ما لا يطاق إنما يلزم إذا وجب الترك ، لا إذا جاز ، مع أنّ مقدّمة الواجب قد تكون مترددةً بين المقدورة ، وغير المقدورة ، كفعل الغير ، فكيف لا يجوز تردده بين الواجب والمستحب؟!
والحاصل : أنّ المقصود عدم ترك الواجب لا غير ، فالمنع عن الإفطار من حيث إنّه مفوّت للاعتكاف لا ينافي جوازه من حيث هو ، فلا إشكال هنا إلا من حيث اجتماع الضدّين ، وهو جواز إفطار الصوم ، وعدم جواز نقض الاعتكاف الذي هو لازم الإفطار ، المستلزم لعدم جواز الإفطار ، وهو لا يضرّ مع تعدّد الجهتين ، كما حقّقناه في الأُصول (١).
وهذا الكلام يجري في النذر المعيّن أيضاً ، فإنّ صوم أيّام البيض مستحب على الإطلاق ، ونذر الاعتكاف جائز على الإطلاق ، وجمعهما المكلّف باختياره في فرد خاص ، نظير الصلاة في الدار المغصوبة.
فلا يتمّ ما يظهر من المدارك من الفرق بين النذر المطلق والمعيّن (٢) ؛ إذ في المطلق
__________________
(١) القوانين : ١٤٠.
(٢) المدارك ٦ : ٣١٦.