لا يكون زمان الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام ، يعني أقلّ زمان متتالي الآنات الذي يتحقّق فيه الاعتكاف هو ما يُشخّصه ويُعيّنه مرور ثلاثة أيّام ، لا أيّام الاعتكاف لا تكون أقلّ من ثلاثة ، والأوّل يستلزم دخول الليالي وعدم التفرّق ، دون الثاني.
وهذا معنى دقيق أشرنا إليه في مسائل الحيض ، في معنى قولهم «: «أقل الحيض ثلاثة أيّام ، وأكثره عشرة أيّام» (١).
وما ذكرنا ثمّة «من أنّه لا يصحّ الاستدلال بذلك على اعتبار تتالي الأيّام في أقلّ أيّام الحيض ؛ إذ كون أقلّ زمان يتحقّق الحيض في ثلاثة أيّام كما هو المتبادر من اللفظ لا يستلزم عدم تحقّق الأيّام الثلاثة في أكثر من هذا الزمان» لا يجري هنا ؛ لأنّ كون الأيّام من حيث إنّها أيّام معتبرة في أقلّ الحيض معلوم من الأخبار وفتوى الأصحاب ، بخلاف الاعتكاف ، فإنّه هو اللّبث المتطاول ، وهذا تحديد لزمان اللبث ، ولم يعلم كون الأيّام من حيث إنّها أيّام داخلةً في مهيته ، وإن استلزمه تحديد زمان اللبث بهذا المقدار من الزمان ، أي الكم المتصل المتتالي الآنات ، الذي هو من لوازم اللبث المعهود المشروط بعدم قطعه بما ينافيه.
ولعلّ مبنى كلام المحقّق على ما ذكرنا ، فرجع إلى دعوى التبادر ، كما ذكرنا ، ولا يكون دليلاً آخر. ويشكل تنزيل كلام المسالك على ما ذكرنا.
وأمّا ما اعترضه في المسالك بأنّ توالي الأيّام وتتابعها يحصل بتعاقبها ، كما في صيام ثلاثة أيّام.
وأجاب بالفرق بينهما : بأنّ الصوم لا يمكن تحقّقه في الليل ، بخلاف الاعتكاف ، والأصل في الموالاة متابعة الفعل بعضه لبعض بحسب الإمكان ، فلما أمكن ذلك في الاعتكاف نعتبره ، ولما لم يمكن في الصوم ، حملناه على أقرب أحوال المتابعة ، وهو متابعة النهار في جملة الأيّام (٢) ، فهو غريب ، فإنّا نعتبر التتابع في الأيّام ، لا الاعتكاف
__________________
(١) الوسائل ٢ : ٥٥١ أبواب الحيض ب ١٠ ، وانظر الغنائم ١ : ٢٢٦.
(٢) المسالك ٢ : ٩٧.