بين الأصحاب ، سيّما القدماء منهم ، حتّى أنّ العلامة في المختلف بعد اختياره قول الأكثر استدلّ بأنّه أشهر بين الأصحاب ، وبالصحيحة المذكورة ، فجعل الشهرة دليلاً لا يقصر عن أدلّتهم ، بل تغلب عليها (١).
وردّ استدلال العلامة بالشهرة الشهيد في غاية المراد ، بأنّ الشهرة لو سلّمت ليست حجّة ، فربّ مشهور مرجوح ، بل كم من مشهور باطل (٢) ، ولعلّه يريد شهرة يكون في مقابلها دليل ، وإلّا فهو قائل بحجية الشهرة ، كما يظهر من الذكرى (٣).
والحاصل : أنّ الإجماعات بمنزلة أخبار صحيحة ، وإذا أُضيف إليها صحيحة عمر بن يزيد ، واعتضد المجموع بالشهرة ، يترجح قول الأكثر ، مع أنّ فيه جمعاً بين الروايات ، بحمل مطلقاتها على المقيد.
فلم يبقَ في الطرف الأخر إلّا كثرة الأخبار ، وموافقة الكتاب ، وفيه : مع أنّ سندَ كثيرٍ منها ضعيف ، لا يقاوم ما ذكرنا.
وأما الكتاب ؛ فمع تسليم العموم أيضاً يخصّص بتلك الأدلّة ، ويمكن أن يُراد بلام المساجد العهد ، وإن كان الجمع المحلّى باللام ظاهراً في العموم ، أو يُراد جنس الجمع كما في قولهم : الحكم هو خطاب الله المتعلّق بأفعال المكلّفين ، بقرينة المقام.
فالأحوط بل الأظهر : أن لا يفعل في غير المساجد المعهودة إلا بقصد الاحتياط قربة إلى الله ، فينوي : أنّي أعتكف إن كان يصحّ فيها ، وإلّا فيكون لبثاً في المسجد لأجل العبادة ، ويترك محظورات الاعتكاف قربة إلى الله.
وحجّة ابن أبي عقيل (٤) : عموم الآية (٥) ، ورواية داود بن الحصين (٦) ، وقد ظهر
__________________
(١) المختلف ٣ : ٥٧٨.
(٢) غاية المراد ١ : ٣٥٠.
(٣) الذكرى : ٥.
(٤) ذكر احتجاجه في المختلف ٣ : ٥٧٩.
(٥) البقرة : ١٨٧.
(٦) المعتبر ٢ : ٧٣٣ ، الوسائل ٧ : ٤٠٢ أبواب الاعتكاف ب ٣ ح ١١.