استشعرَ من كلام الشيخ في النهاية عدم الاكتفاء بذلك إلا مع العجز (١) ، حيث قال في النهاية : فمن وجب عليه شيء من هذا الصيام ، وجب عليه أن يصومه مُتتابعاً ، فإن لم يتمكّن من صيامه متتابعاً ، صام الشهر الأوّل ، ومن الشهر الثاني شيئاً ، ثمّ فرّق ما بقي عليه (٢).
أقول : والظاهر من كلماتهم أنّ موضوع المسألة هنا بيان الإجزاء ، لا إثبات الجواز مطلقاً ، فيمكن حمل كلامه في النهاية على إرادة عدم جواز القطع إلا مع العُذر ، لا عدم الإجزاء بدونه أيضاً كما يظهر من ملاحظة كلامه بعد ذلك.
وأما مسألة الجواز فقد اختلفت كلماتهم ، قال في المختلف : من وجب عليه شهران متتابعان في كفّارة ظهار أو قتل الخطأ أو غيرهما ، فصام شهراً ومن الثاني شيئاً ولو يوماً ثمّ أفطر لغير عُذر ، جاز لهُ البناء إجماعاً ، وهل يكون مأثوماً؟ قولان ، وقال ابن الجنيد : لا يكون مأثوماً ، وهو ظاهر كلام ابن أبي عقيل ، وظاهر كلام الشيخ ، وقال المفيد : يكون مخطأً ، وكذا قال السيد المرتضى ، وهو يشعر بالإثم ، وصرّح أبو الصلاح وابن إدريس بالإثم ، والأقرب الأوّل ، لنا : الأصل براءة الذمة ، ولأنّ التتابع إما أن يحصل بذلك أو لا ، فإن حصل فقد امتثل المأمور به ، فيخرج عن العهدة فلا إثم ، وإن لم يحصل بذلك وجب عليه الاستئناف ؛ لأنّه لم يأتِ بما أُمر به على وجهه فلا يقع فعله مجزياً.
ثمّ استدلّ بصحيحة الحلبي ورواية سماعة المتقدمتين ، ثمّ قال : ولأنّ تتابع الشهرين يحصل بذلك ، ولا يجب في إتباع الشهر بالشهر تكميل الثاني ، ولأنه تابع بين الأكثر ، وحكم الأكثر حكم الجميع.
ثم احتج للآخرين : بأنّ تتابع الشهرين إنما يحصل بإكمالهما ، ولم يحصل ، فيتحقّق الإثم ، ولا استبعاد في الإجزاء مع الإثم.
__________________
(١) المختلف ٣ : ٥٦٣.
(٢) النهاية : ١٦٦.