قال الصدوق : هذا الخبر صحيح ، ولكن الله تبارك وتعالى فوّض إلى نبيّه محمّدُ أمر دينه ، فقال (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (١) ، فسنّ رسول اللهُ مكان أيّام البيض خميساً في أول الشهر ، وأربعاءً في وسط الشهر ، وخميساً في آخر الشهر ، وذلك صوم السنة ، من صامها كمن صام الدهر ؛ لقول الله عزوجل (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (٢).
وإنّما ذكرتُ الحديث ؛ لما فيه من ذكرَ العلّة ، وليعلم السبب في ذلك ؛ لأنّ الناس أكثرهم يقولون : أيّام البيض إنّما سُمّيت بيضاً ؛ لأنّ لياليها مُقمرة من أوّلها إلى آخرها (٣) ، انتهى.
وأنت خبير بأنّ الرواية الأُولى ليست بمصرّحة بالاستحباب ، وكأنّه إشارة فيها إلى عدم التأكّد ، كما ذكره في الدروس موافقاً للشيخ في النهاية (٤) ، فإنّه عدّد الأيّام المستحبة ، ثمّ ذكر الأيّام المخيّر فيها وعدّها منها.
وأُورد عليه : بأنّ الرواية ليس فيها ذكر الصوم المستحب أصلاً ، حتى يكون جعل ذلك من المخير فيه شاهداً على عدم التأكّد ، بل إنّما ذكر الصوم الواجب والحرام والمخيّر فيه ، فلا دلالة فيها على عدم التأكّد.
أقول : والإنصاف أنّ الرواية لا تخلو عن إشعار بذلك ؛ إذ قد عدّ من جملة الصيام المخيّر فيه : صوم الاثنين ، وصوم يوم العاشوراء ، أو صوم ستة أيّام من شوال بعد العيد في كلّ منهما شيء ، وكذلك صوم الجمعة والخميس ، ولعلّه ناظر إلى ما ورد من منع صوم كلّ منهما منفرداً (٥) وإن كان مهجوراً عند الأصحاب.
وقيل : إنّه من الأحاديث الموضوعة ، وكذلك أيّام البيض بالنظر إلى رواية
__________________
(١) الحشر : ٧.
(٢) الأنعام : ١٦٠.
(٣) العلل : ٣٧٩.
(٤) الدروس ١ : ٢٨١ ، النهاية : ١٤٨.
(٥) الوسائل ٧ : ٢٧٦ أبواب الصوم المندوب ب ٥.