وربما نسبت للسلطان كرامات ، ولم يدر هؤلاء أنه كان شجاعا ، قوي الإدارة في قهر من وجد منه ضررا للدولة أو رآه لم يتورع في انتهاك حرمات الأمة بل قسا تلك القسوة الجائرة. ولعل ما ظهر من عظمته في حرب بغداد ، وتمكنه من انقاذ الناس بما بذل من أموال ونفوس خلدت له الذكرى الجميلة ، فاشتهر صيته ، فلا يصح أن تعزى له كرامة ولا لمدفعه إلا ما صح من الخدمة الحربية ، ولكن العوام يزعمون أن مدفعه (أبا خزامة (١)) كان يلتهم الاحجار والصخور فتظهر منه قذائف صبت على رؤوس الأعداء وابلا من البلاء كما أن النساء تأتي بالاطفال للاستشفاء من الأمراض بعرض الأولاد على فوهته كأنه (طبيب الأطفال) ، وكأن انفاسه تمد ببركاتها الشفاء. وهكذا تعقد العقد للبركة ... والعامة لا قياس لتفكيرهم ، فلم يوجهوا ، ولم يردعوا عن هذه المنكرات الخرافية المضرة بالعقيدة الحقة.
ولا يزال العوام في ضلال ، فيضطر الكثير من العلماء إلى مداراتهم. وكأن القول قولهم ، والمتابعة من العلماء واجبة ، فلم ينه العلماء عن منكر فعله العوام ، أو لا يتناهون عن منكر فعلوه ... وأحسنت الدولة العراقية الحاضرة في رفعه عن أنظار العامة. ووضعته في متحف الأسلحة. والأمر المهم أن هذا كان من مظاهر الفرح في النفوس إثر الفتح.
وكان عند اليهود (عيد يوم الفتح) يعتبر من أعياد بني اسرائيل في بغداد تعاد ذكراه في كل عام. ولا شك أن هذا العيد كان من مظاهر الفرح بهذا الفتح لما لقي الأهلون من المصائب والارزاء ففرج الفتح الكربة ولم يقف عند طائفة.
__________________
(١) مجلة سومر ج ٤ ص ٢٥٤ ذكرت المدافع وتصاويرها ومنها مدفع أبي خزامة.