وفي هذه الأثناء بدر له أن يميل إلى حسكة. وهناك كان الشيخ إسماعيل في بني مالك. ومن صدق لهجته علم الخبر وتيقن أن أصل هذه الفتنة الشيخ مغامس ، وأنه حدث بينه وبين المنتفق خلاف ...
وعلى هذا توجه من هناك وقصد منازلهم فوصل إلى محل (شوكة) جاءه البريد من المنتفق وفيه عرائض قدمت إليه من الشيخ ناصر أمير المنتفق فحواها :
إننا ضجرنا من شيخنا مغامس لما قام به من ظلم وليس لنا رضا بأعماله ، أنقدنا منه. وأمدنا بعنايتك ...!
وأبدوا أحواله واحدة فواحدة ورجوا أن ينهي الأمر وطلبوا أن يسرع لإمدادهم ، وهم لا يزالون في حرب معه. فكان جواب الوزير :
أتيناكم أبشروا بخير ، جئناكم بسرعة الريح. إنكم في حمانا فاطمئنوا وأيقنوا بالنصر.
كتب ذلك مختصرا وبعث به مع من جاء بالكتب. أراد أن يقرب لجهته قسما منهم. ورحل بسرعة يقطع المنزلين ليمد الشيخ ناصرا من أمراء المنتفق ولم يمض إلا القليل حتى وجده ومعه قليل من الفرسان حضروا وعرضوا الطاعة. خلع الوزير عليه وأكرمه وعرف منه أن الشيخ مغامسا فرّ مع عشيرة عبودة. وأن العشائر التابعة له قليلة جدا.
وحينئذ ركب الوزير السفن وعبر الفرات ليعقب أثر الفارين ، أرخى العنان نحو الجوازر فوصل (أبو مهفة) (١) الموقع المعروف فبات ليلته بقربه. وكان الشيخ مغامس تحصن فيه هو ومن معه من (ربيعة) و(ميّاح) (٢) وجماعة من المنتفق أيضا. ويعد الكل بخمسين ألفا أو
__________________
(١) اليوم يلفظ (أبو مهيفة) ملك آل المناع رؤساء الأجود. وقال الأستاذ يعقوب سركيس : مقاطعة في الجانب الأيمن من الغراف قرب البدعة.
(٢) مياح من ربيعة عشيرة كبيرة ومستقلة. وكذا عبودة من عشائر ربيعة. وهي اليوم في عداد المنتفق.