لذا يحتاج في إدارته إلى تدبير زائد وحكمة بالغة. فالصعوبة كل الصعوبة في ضبطه وسوقه إلى النظام.
كان الواجب يقضي بوجود وزير فعال ، مدبر ، وافر الحكمة وحسن الإدارة مع الشدة والشجاعة ... وهكذا كان الوزير ولكنه تعوزه المعرفة بطبائع الأهلين. حاول أن يذعن الأهلون له فبذل أقصى جهده. فكان ذلك داعية صعوبات وفيرة فأضجر الأهلين وصاروا يتذمرون منه. ولم تمض مدة يسيرة إلا وتزايدت النفرة منه وكثر القيل والقال عليه وبدت المعارضات من كل صوب.
أما الينگچرية فلا يطاق حالهم. ولا يستطاع الصبر على أعمالهم. وأول ما قاموا به أنهم كانت لهم مواجب في زمن أحمد باشا لمدة سنة ونصف جعلوها وسيلة المطالبة وسبب المكاشفة ...
بين لهم الوالي أنه ليس لديه من أموال الميري ولا من الأموال الخاصة ما يؤديه فاستمهل شهرين إلى أن يكتب إلى استنبول ويأتيه الجواب. فلم يوافقوا وأصروا. ومن ثم اشتعلت نيران الفتنة. واشتبك الفريقان. وثارت البنادق والمدافع من الطرفين فحاصروا الوزير في دار الإمارة وامتد القتال من الصباح إلى المساء ...
وعلى هذا تدخل المصلحون وتعهد الوالي أن يكتب ويأتي بالمواجب في خلال شهرين وتم الصلح فسكنت الفتنة.
ويقال إن أصل الفتنة أن الوزير لما وصل إلى بغداد انتسب إليه بعض الأهلين فامتثل أقوالهم بأن يجروه على سنن من قبله وقالوا له إن أردت أن تحكم في الرعية فاكسر أولا شوكة الينگچرية فبدأ بهم وظهر على لسانه أنهم لا يصلحون لخدمة الدولة وبالغ في أمرهم. فلما شاهدوا افعاله وسمعوا مقاله تحرك في أصاغرهم عرق الحمية وحصل لأكابرهم من ذلك حيرة. قالوا نحن أولو قوة وبأس ومن هذا حتى