قوله في وصف أهل هذه المدينة : «كانوا أهل قرية لئام» (١).
ثمّ يضيف القرآن : (فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ) (٢) وقد كان موسىعليهالسلام يشعر بالتعب والجوع ، والأهم من ذلك أنّه كان يشعر بأنّ كرامته وكرامة أستاذه قد أهينت من أهل هذه القرية التي أبت أن نضيفهما ؛ ومن جانب آخر شاهد كيف أنّ الخضر قام بترميم الجدار بالرغم من سلوك أهل القرية القبيح إزاءهما ، وكأنّه بذلك أراد أن يجازي أهل القرية بفعالهم السيئة ، وكان موسى يعتقد بأنّ على صاحبه أن يطالب بالأجر على هذا العمل حتى يستطيعا أن يعدّا طعاما لهما.
لذا فقد نسي موسى عليهالسلام عهده مرّة أخرى وبدأ بالاعتراض ، إلّا أنّ اعتراضه هذه المرّة بدا خفيفا فقال : (قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً).
وفي الواقع فإنّ موسى يعتقد بأنّ قيام الإنسان بالتضحية في سبيل أناس سيئين عمل مجاف لروح العدالة ؛ بعبارة أخرى : إنّ الجميل جيّد وحسن ، بشرط أن يكون في محلّه.
صحيح أنّ الجزاء الجميل في مقابل العمل القبيح هو من صفات الناس الإلهيين ، إلّا أنّ ذلك ينبغي أن لا يكون سببا في دفع المسيئين للقيام بالمزيد من الأعمال السيئة.
وهنا قال الرجل العالم كلامه الأخير لموسى ، بأنّك ومن خلال حوادث مختلفة ، لا تستطيع معي صبرا ، لذلك قرّر العالم قراره الأخير : (قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً).
موسى عليهالسلام لم يعترض على القرار ـ طبعا ـ لأنّه هو الذي كان قد اقترحه عند
__________________
(١) مجمع البيان في تفسير الآية.
(٢) إنّ نسبة (الإرادة» إلى الجدار هو استخدام مجازي ، ومفهوم ذلك أنّ الجدار كان ضعيفا للغاية وهو على مشارف الانهيار.