(أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها) (١).
من البديهي أنّ الله سبحانه ليس له عرش ، ولا محكومة كحكام البشر ، بل المراد من عرش الله كل عالم الوجود الذي يعتبر عرشه ، وبناء على هذا فإنّ قوله تعالى : (اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) كناية عن تسلط الله ، وإحاطته الكاملة بعالم الوجود ، ونفوذ أمره وتدبيره في جميع أنحاء العالم.
وأساسا فإنّ كلمة «عرش» في لغة العرب ، كناية عن القدرة غالبا ، فنقول مثلا: إن فلانا قد أنزلوه من العرش ، أو أزاحوه عنه ، فهذا يعني أنّهم قد أنهوا حكمه وقدرته ، أو نقول : ثل عرشه.
وعلى كل حال ، فإنّ من السخف أن يتوهم الإنسان من هذا التعبير جسمية الله سبحانه.
ثمّ تتحدث عن مالكية الله بعد حاكميته فتقول : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى).
«الثرى» في الأصل بمعنى التراب الرطب ، ولما كانت قشرة الأرض ـ فقط ـ هي التي تجف نتيجة لأشعة الشمس وهبوب الرياح ، وتبقى الطبقة السفلى ـ غالبا ـ رطبة ، فإنّه يقال لهذه الطبقة : ثرى ، وعلى هذا فإن (وَما تَحْتَ الثَّرى) تعني أعماق الأرض وجوفها ، وكلها مملوكة لمالك الملك وخالق عالم الوجود.
إلى هنا بينت ثلاثة أركان من أركان صفات الله : الركن الأوّل : «خالقيته» ، والثّاني: «حاكميته» ، والثّالث : «مالكيته».
وأشارت الآية التالية إلى الرّكن الرّابع ، أي : «العالمية» ، فقالت : «(وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى). وهناك نقاش وبحث بين المفسّرين في المراد من «أخفى» هنا :
فذهب بعضهم إلى أنّ السر هو أن يتحدث إنسان مع آخر بصورة خفية ،
__________________
(١) النمل ، ٣٨.