وفي نفس الوقت الذي يجب أن يكون هذا المدبّر عزيزا قويّا لا يقهر ليقوى على القيام بهذه الأعمال المهمّة ، ينبغي أن تقترن هذه العزّة باللطف والرحمة ، لا الخشونة والغلظة.
ثمّ تشير الآية التالية إلى نظام الخلقة الأحسن والأكمل بصورة عامّة ، ومقدّمة لبيان خلق الإنسان ومراحل تكامله بشكل خاصّ : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) وأعطى كلّ شيء ما يحتاجه ، وبتعبير آخر : فإنّ تشييد صرح الخلقة العظيم قد قام على أساس النظام الأحسن ، أي قام على نظام دقيق سالم لا يمكن تخيّل نظام أكمل منه.
لقد أوجد سبحانه بين كلّ الموجودات علاقة وانسجاما ، وأعطى كلّا منها ما يطلبه على لسان الحال.
إذا نظرنا إلى وجود الإنسان ، وأخذنا بنظر الإعتبار كلّ جهاز من أجهزته ، فسنرى أنّها خلقت من ناحية البناء والهيكل ، والحجم ، ووضع الخلايا ، وطريقة عملها ، بشكل تستطيع معه أن تؤدّي وظيفتها على النحو الأحسن ، وفي الوقت ذاته فقد وضعت بين الأعضاء روابط قويّة بحيث يؤثّر ويتأثّر بعضها بالبعض الآخر بدون استثناء.
وهذا المعنى هو الحاكم تماما في العالم الكبير مع المخلوقات المتنوّعة ، وخاصّة في عالم الكائنات الحيّة ، مع تلك التشكيلات والهيئات المختلفة جدّا.
والخلاصة : فإنّه هو الذي أودع أنواع العطور البهيجة في الأزهار المختلفة ، وهو الذي يهبّ الروح للتراب والطين ويخلق منه إنسانا حرّا ذكيّا عاقلا ، ومن هذا التراب المخلوط يخلق أحيانا الأزهار ، وأحيانا الإنسان ، وأحيانا اخرى أنواع الموجودات الاخرى ، وحتّى التراب نفسه خلق فيه ما ينبغي أن يكون فيه.
ونرى نظير هذا الكلام في الآية (٥٠) من سورة «طه» من قول موسى وهارون عليهماالسلام : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى).