وهنا يطرح سؤال حول خلق الشرور والآفات ، وكيفية انسجامها مع النظام العالم الأحسن ، وسنبحثه إن شاء الله تعالى فيما بعد.
بعد هذه المقدّمة الآفاقية يدخل القرآن بحث الأنفس ، وكما تحدّث في بحث الآيات الآفاقية عن عدّة أقسام للتوحيد ، فإنّه يتحدّث هنا عن عدّة مواهب عظيمة في مورد البشر:
يقول أوّلا : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) ليبيّن عظمة وقدرة الله سبحانه حيث خلق مثل هذا المخلوق الجليل العظيم من مثل هذا الموجود البسيط الحقير ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر يحذّر الإنسان ويذكّره من أين أتيت ، وإلى أين ستذهب؟!
ومن المعلوم أنّ هذه الآية تتحدّث عن خلق آدم ، لا كلّ البشر ، لأنّ استمرار نسله قد ذكر في الآية التالية ، وظاهر هذه الآية دليل واضح على خلق الإنسان بشكل مستقل ، ونفي فرضيّة تحوّل الأنواع (وعلى الأقل في مورد نوع الإنسان).
وبالرغم من أنّ البعض أراد أن يفسّر هذه الآية بحيث تناسب وتلائم فرضية تكامل الأنواع ، بأنّ خلق الإنسان يرجع إلى أنواع سافلة ، وهي تنتهي أخيرا إلى الماء والطين ، إلّا أنّ ظاهر الآية ينفي وجود أنواع اخرى من الموجودات الحيّة ـ وهم يدّعون أنّها أنواع لا تحصى ـ تفصل بين آدم والطين ، بل إنّ خلق الإنسان قد تمّ من الطين مباشرة وبدون واسطة. ولم يتحدّث القرآن عن أنواع الكائنات الحيّة الاخرى.
وهذا المعنى يتّضح أكثر عند ملاحظة الآية (٥٩) من سورة آل عمران ، حيث تقول: (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ).
ويقول في الآية (٢٦) من سورة الحجر : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ).
ويستفاد من مجموع الآيات أنّ خلق آدم قد تكوّن من التراب والطين كخلق