فتقول : إنّ هؤلاء الكفّار يتساءلون باستغراب بأنّنا إذا متنا وتحوّلت أبداننا إلى تراب واندثرت تماما فهل سوف نخلق من جديد : (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ).
إنّ التعبير بـ (ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) إشارة إلى أنّ الإنسان يصبح ترابا بعد موته كسائر الأتربة ويتفرّق هذا التراب نتيجة العوامل الطبيعية وغير الطبيعية ، ولا يبقى منه شيء حتّى يعيده الله سبحانه في القيامة مرّة اخرى.
إلّا أنّ هؤلاء ليسوا بمنكرين قدرة الله في الحقيقة (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) فإنّهم ينكرون مرحلة لقاء الله والحساب والثواب والعقاب ولتبرير حرية العمل وليعملوا ما يريدون!
وهذه الآية تشبه كثيرا الآيات الاولى من سورة القيامة التي تقول : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ). (١)
بناء على هذا ، فإنّ هؤلاء ليسوا قاصرين من ناحية الاستدلال ، ولكن شهواتهم حجبت قلوبهم ، ونيّاتهم السيّئة منعتهم من قبول مسألة المعاد ، وإلّا فإنّ الله الذي أعطى قطعة المغناطيس القوّة التي تجذب إلى نفسها ذرّات الحديد الصغيرة جدّا والمتناثرة في طيّات أطنان من تراب الأرض من خلال جولة سريعة في تلك الأرض ، وتجمعها بكلّ بساطة ، هو الذي يجعل بين ذرّات بدن الإنسان مثل هذه الجاذبية المتقابلة.
من الذي يستطيع أن ينكر أنّ المياه الموجودة في جسم الإنسان ـ وأكثر جسم الإنسان ماء ـ وكذلك المواد الغذائية ، كانت ذرّاتها متناثرة في زاوية من العالم قبل ألف عام مثلا ، وكلّ قطرة في محيط ، وكلّ ذرّة في إقليم ، إلّا أنّها تجمّعت عن طريق
__________________
(١) سورة القيامة ، ٣ ـ ٦.