السحاب والمطر والعوامل الطبيعية الاخرى ، وكوّنت الوجود الإنساني في النهاية ، فأي داع للعجب من أن تجتمع وترجع إلى حالها الأوّل بعد تلاشيها وتبعثرها؟!
وتجيب الآية هؤلاء عن طريق آخر ، فتقول : لا تتصوّروا أنّ شخصيتكم بأبدانكم وأجسامكم ، بل بأرواحكم ، وهي باقية ومحفوظة : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ).
إذا لا حظنا أنّ معنى «يتوفّاكم» ـ من مادة «توفّي» (على وزن تصدّي) ، هو الإستيفاء ، فإنّ الموت سوف لا يعني الفناء ، بل نوع من قبض الملائكة لروح الإنسان التي تشكّل أهمّ من وجود الإنسان.
صحيح أنّ القرآن يتحدّث عن المعاد الجسماني ، ويعتبر رجوع الروح والجسم المادّي في المعاد حتميّا ، إلّا أنّ الهدف من الآية أعلاه هو بيان أنّ هذه الأجزاء المادّي التي شغلتم بها فكركم تماما ليست هي أساس شخصيّة الإنسان ، بل الأساس هو الجوهر الروحي الذي جاء من قبل الله تعالى وإليه يرجع.
وفي المجموع يمكن أن يقال : إنّ الآيتين أعلاه تجيبان منكري المعاد بهذا الجواب : إذا كان إشكالكم في تفرّق الأجزاء الجسمية ، فإنّكم تقرّون بقدرة الله سبحانه ولا تنكرونها ، وإذا كان إشكالكم في اضمحلال وفناء شخصية الإنسان على أثر تناثر تلك الذرّات ، فلا يصحّ ذلك لأنّ أساس شخصيّة الإنسان يستند إلى الروح.
وهذا الإيراد لا يختلف عن شبهة (الآكل والمأكول) المعروفة ، كما أنّ جوابه في الموردين يشبه جواب تلك الشبهة (١).
وثمّة مسألة ينبغي التوجّه إليها ، وهي أنّ في بعض آيات القرآن نسب التوفّي
__________________
(١) لمزيد الإيضاح حول شبهة (الآكل والمأكول) وجوابها المفصّل راجع التّفسير الأمثل ، ذيل الآية (٢٦٠) من سورة البقرة.