وهنا تذكر الآية صفتين أخريين لهؤلاء هما : «الخوف» و «الرجاء» ، فلا يأمنون غضب الله عزوجل ، ولا ييأسون من رحمته ، والتوازن بين الخوف والرجاء هو ضمان تكاملهم وتوغّلهم في الطريق إلى الله سبحانه ، والحاكم على وجودهم دائما ، لأنّ غلبة الخوف تجرّ الإنسان إلى اليأس والقنوط ، وغلبة الرجاء تغري الإنسان وتجعله في غفلة ، وكلاهما عدوّ للإنسان في سيره التكاملي إلى الله سبحانه.
وثامن صفاتهم ، وآخرها في الآية أنّهم (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ).
فهم لا يهبون من أموالهم للمحتاجين وحسب ، بل ومن علمهم وقوّتهم وقدرتهم ورأيهم الصائب وتجاربهم ورصيدهم الفكري ، فيهبون منها ما يحتاج إليه الغير.
إنّهم ينبوع من الخير والبركة ، وعين فوّارة من ماء الصالحات العذب الصافي الذي يروي العطاشى ، ويغني المحتاجين بحسب استطاعتهم.
نعم .. إنّ أوصاف هؤلاء مجموعة من العقيدة الرصينة الثابتة ، والإيمان القويّ والعشق الملتهب لله ، والعبادة والطاعة ، والسعي والحركة الدؤوبة ، ومعونة عباد الله في كلّ المجالات.
ثمّ تطرّقت الآية التالية إلى الثواب العظيم للمؤمنين الحقيقيين الذين يتمتّعون بالصفات المذكورة في الآيتين السابقتين ، فتقول بتعبير جميل يحكي الأهميّة الفائقة لثوابهم : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).
التعبير بـ (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ) وكذلك التعبير بـ (قُرَّةِ أَعْيُنٍ) مبيّن لعظمة هذه المواهب والعطايا التي لا عدّ لها ولا حصر ، خاصّة وأنّ كلمة (نفس) قد وردت بصيغة النكرة في سياق النفي ، وهي تعني العموم وتشمل كلّ النفوس حتّى ملائكة الله المقرّبين وأولياء الله.
والتعبير بـ (قُرَّةِ أَعْيُنٍ) من دون الإضافة إلى النفس ، إشارة إلى أنّ هذه النعم