الإلهيّة التي خصّصت كثواب وجزاء للمؤمنين المخلصين في الآخرة ، في هيئة تكون معها قرّة لعيون الجميع.
(قرّة) مادّة القرّ ، أي البرودة ، ومن المعروف أنّ دموع الشوق باردة دائما ، وأنّ دمع الغمّ والحسرة حارّ محرق ، فالتعبير بـ (قُرَّةِ أَعْيُنٍ) يعني في لغة العرب الشيء الذي يسبّب برودة عين الإنسان ، أي أنّ دموع الشوق والفرح تجري من أعينهم ، وهذه كناية لطيفة عن منتهى الفرح والسرور والسعادة.
وفي حديث عن النّبي الأكرم صلىاللهعليهوآله : «إنّ الله يقول : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا اذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر» (١).
وثمّة سؤال طرحه المفسّر الكبير العلّامة «الطبرسي» في (مجمع البيان) وهو : لماذا اخفي هذا الثواب والجزاء؟
ثمّ يذكر ثلاثة أجوبة لهذا السؤال :
١ ـ أنّ الأمور المهمّة والقيّمة لا يمكن إدراك حقيقتها بسهولة من خلال الألفاظ والكلام ، ولذلك فإنّ إخفاءها وإبهامها يكون أحيانا أكثر تحفيزا ، وأبعث على النشاط ، وهو أبلغ من ناحية الفصاحة.
٢ ـ أنّ الشيء الذي يكون قرّة للأعين ، يكون عادة مترامي الأطراف إلى الحدّ الذي لا يصل علم ابن آدم إلى جميع خصوصياته.
٣ ـ لمّا كان هذا الجزاء قد جعل لصلاة الليل المستورة ، فإنّ المناسب أن يكون ثواب هذا العمل عظيما ومخفيّا أيضا. وينبغي الالتفات إلى أنّ جملة (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) في الآية السابقة إشارة إلى صلاة الليل.
وفي حديث عن الإمام الصادق عليهالسلام : «ما من حسنة إلّا ولها ثواب مبين في القرآن ، إلّا صلاة الليل ، فإنّ الله عزّ اسمه لم يبيّن ثوابها لعظم خطرها ، قال : فلا تعلم
__________________
(١) نقل هذا الحديث كثير من المفسّرين ، ومن جملتهم الطبرسي في مجمع البيان ، والآلوسي في روح المعاني ، والقرطبي في تفسيره. وقد أورده المحدّثان المشهوران البخاري ومسلم في كتبهما أيضا.