وتبيّن الآية التالية عدم المساواة هذه بصورة أوسع وأكثر تفصيلا ، فتقول : (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى) (١) ثمّ تضيف الآية بأنّ هذه الجنّات قد أعدّها الله تعالى لاستقبالهم في مقابل أعمالهم الصالحة : (نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).
إنّ التعبير بـ «نزلا» ، والذي يقال عادة للشيء الذي يهيّئونه لاستقبال وإكرام الضيف ، إشارة لطيفة إلى أنّ المؤمنين يستقبلون ويخدمون دائما كما هو حال الضيف ، في حين أنّ الجهنّميين ـ كما سيأتي في الآية الآتية ـ كالسجناء الذين يأملون الخروج منها في كلّ حين ، ثمّ يعادون فيها!
وما ورد في الآية (١٠٢) من سورة الكهف : (إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً) فإنّه من قبيل (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) وهو كناية عن أنّه يعاقب ويعذّب هؤلاء بدل إكرامهم ، ويهدّدون مكان بشارتهم.
ويعتقد البعض أنّ «النزل» أوّل شيء يستقبل به الضيف الوارد لتوّه ـ كالشاي والعصير في زماننا ـ وبناء على هذا فإنّه إشارة لطيفة إلى أنّ جنّات المأوى بتمام نعمها وبركاتها هي أوّل ما يستقبل به ضيوف الرحمن ، ثمّ تتبعها المواهب في بركات اخرى لا يعلمها إلّا الله سبحانه.
والتعبير بـ (فَلَهُمْ جَنَّاتُ) لعلّه إشارة إلى أنّ الله سبحانه لا يعطيهم بساتين الجنّة عارية ، بل يملّكهم إيّاها إلى الأبد ، بحيث لا يعكّر هدوء فكرهم احتمال زوال هذه النعم مطلقا.
وتطرّقت الآية التالية إلى النقطة التي تقابل هؤلاء ، فتقول : (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ) فهؤلاء مخلّدون في هذا المكان المرعب بحيث أنّهم (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ).
__________________
(١) «المأوى» من مادّة (أوى) بمعنى انضمام شيء إلى شيء آخر ، ثمّ قيلت للمكان والمسكن والمستقرّ.